ص : ٤٤
بين القائلين والمرتبتين والقولين والحالين. وأعط كل ذي حق حقه، ولا تجعل الزغل والخالص شيئا واحدا.
فصل
المرتبة الخامسة : مرتبة الإفهام. قال اللّه تعالى : ٢١ : ٧٨، ٧٩ وَداوُدَ وَسُلَيْمانَ إِذْ يَحْكُمانِ فِي الْحَرْثِ، إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شاهِدِينَ. فَفَهَّمْناها سُلَيْمانَ، وَكُلًّا آتَيْنا حُكْماً وَعِلْماً فذكر هذين النبيين الكريمين : فأثنى عليهما بالعلم والحكم. وخص سليمان بالفهم في هذه الواقعة المعينة، و
قال علي بن أبي طالب، وقد سئل :«هل خصكم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بشيء دون الناس؟ فقال : لا، والذي فلق الحبة وبرأ النّسمة، إلا فهما يؤتيه اللّه عبدا في كتابه، وما في هذه الصحيفة. وكان فيها العقل، وهو الديات وفكاك الأسير، وأن لا يقتل مسلم بكافر»
وفي كتاب عمر بن الخطاب لأبي موسى الأشعري «١» رضي اللّه عنهما :«و الفهم فيما أدلى إليك» فالفهم نعمة من اللّه على عبده، ونور يقذفه اللّه في قلبه.
يعرف به، ويدرك ما لا يدركه غيره ولا يعرفه، فيفهم من النص ما لا يفهمه غيره، مع استوائهما في حفظه. وفهم أصل معناه.
فالفهم عن اللّه ورسوله عنوان الصديقية، ومنشور الولاية النبوية، وفيه تفاوتت مراتب العلماء، حتى عدّ ألف بواحد، فانظر إلى فهم ابن عباس وقد
(١) هو ابو موسى الأشعري اليمني المقرئ الأمير نسب إلى الأشعر أخي حميد بن سبأ وكان من أهل السابقة والسبق في الإسلام وهاجر من بلده زبيد في نحو إثنين وخمسين رجلا ورجع فركب البحر فألقتهم الريح إلى النجاشي فوقف مع جعفر وأصحابه حتى قدم معهم في سفينته وجعفر وأصحابه في سفينة، وأسهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم لسفينتهم ولمن جاء معهم ولم يسهم لمن غاب غيرهم واستعمله النبي صلّى اللّه عليه وسلّم على عدن واستعمله عمر على الكوفة والبصرة وفتحت على يده عدة أمصار، توفي سنة أربع وأربعين للهجرة (انظر شذرات الذهب).