ص : ٤٨٨
بالرفع أكمل. فإنه يدل على الجملة الاسمية الدالة على الثبوت والتجدد، والمنصوب يدل على الفعلية الدالة على الحدوث والتجدد. فإبراهيم حياهم بتحية أحسن من تحيتهم. فإن قولهم «سلاما» يدل على : سلمنا سلاما وقوله :«سلام» أي سلام عليكم.
الرابع : أنه حذف المبتدأ من قوله :«قوم منكرون» فإنه لما أنكرهم ولم يعرفهم احتشم من مواجهتهم بلفظ ينفر الضيف لو قال : أنتم مكرمون، فحذف المبتدأ هنا من ألطف الكلام.
الخامس : أنه بنى الفعل للمفعول، وحذف فاعله، فقال :
«منكرون» ولم يقل : إني أكرمكم. وهو أحسن في هذا المقام، وأبعد من التنفير والمواجهة بالخشونة.
[سورة الذاريات (٥١) : آية ٢٦]
فَراغَ إِلى أَهْلِهِ فَجاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ (٢٦)
السادس : أنه راغ إلى أهله ليحييهم بنزلهم. والروغان هو الذهاب في اختفاء بحيث يكاد لا يشعر به. وهذا من كرم رب المنزل المضيّف : أن يذهب في اختفاء بحيث لا يشعر به الضيف، فيشق عليه ويستحي. فلا يشعر به إلا وقد جاءه بالطعام، بخلاف من يسمع ضيفه وهو يقول له، أو لمن حضر : مكانكم حتى آتيكم بالطعام، ونحو ذلك مما يوجب حياء الضيف واحتشامه.
السابع : أنه ذهب إلى أهله، فجاء بالضيافة. فدل على أن ذلك كان معدا عندهم مهيئا للضيفان. ولم يحتج أن يذهب إلى غيرهم من جيرانه، أو غيرهم فيشتريه، أو يستقرضه.
الثامن : قوله :«فَجاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ»
يدل على خدمته للضيف بنفسه، ولم يقل : فأمر لهم، بل هو الذي ذهب وجاء به بنفسه، ولم يبعثه مع خادمه. وهذا أبلغ في إكرام الضيف.
التاسع : أنه جاء بعجل كامل، ولم يأت ببضعة منه. وهذا من تمام كرمه صلّى اللّه عليه وسلّم.