ص : ٥٣٨
وهذه الاعتراضات عليهم باطلة.
وأما قوله : إن كونه طلاقا في الجاهلية فلا يقتضي أنهم كانوا يثبتون به الطلاق إلخ فكلام باطل قطعا. فإنهم لم يكونوا يقصدون الإخبار بالكذب ليترتب عليه التحريم، بل كانوا إذا أرادوا الطلاق أتوا بلفظ الظهار إرادة للطلاق. ولم يكونوا عند أنفسهم كاذبين ولا مخبرين. وإنما كانوا منشئين للطلاق به. ولهذا كان هذا ثابتا في أول الإسلام. حتى نسخه اللّه بالكفارة في
قصة خولة بنت ثعلبة وكانت تحت عبادة بن الصامت. فقال لها «أنت علي كظهر أمي. فأتت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فسألته عن ذلك. فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم حرمت عليه. فقالت : يا رسول اللّه، والذي أنزل عليك الكتاب ما ذكر الطلاق، وإنه أبو ولدي. وأحب الناس إلي. فقال : حرمت عليه. فقالت :
أشكو إلى اللّه فاقتي وحدتي. فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم : ما أراك إلا قد حرمت عليه. ولم أومر في شأنك بشيء. فجعلت تراجع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم. وإذا قال لها : حرمت عليه. هتفت وقالت : أشكو إلى اللّه فاقتي وشدة حالي، وأن لي صبية صغارا، إن ضممتهم إليه ضاعوا، وإن ضممتهم إليّ جاعوا.
وجعلت ترفع رأسها إلى السماء، وتقول : اللهم إني أشكوا إليك. وكان هذا أول ظهار في الإسلام. فنزل الوحي على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فلما قضي الوحي.
قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم : ادعي زوجك، فتلا عليه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قوله تعالى :
٥٨ : ١- ٤ قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجادِلُكَ فِي زَوْجِها. وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحاوُرَكُما الآيات.
فهذا يدل على أن الظهار كان إنشاء للتحريم الحاصل بالطلاق في أول الإسلام، ثم نسخ ذلك بالطلاق. وبهذا يبطل ما نظر به من تحريم الناقة عند ولادها عشرة أبطن ونحوه. فإنه ليس هناك لفظ إنشاء يقتضي التحريم، بل هو شرع منهم لهذا التحريم عند هذا السبب.


الصفحة التالية
Icon