ص : ٥٤٩

فصل


[سورة التحريم (٦٦) : آية ١١]
وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (١١)
وأما المثلان اللذان للمؤمنين : فأحدهما : امرأة فرعون.
ووجه المثل : أن اتصال المؤمن بالكافر لا يضره شيئا، إذا فارقه في كفره وعمله. فمعصية الغير لا تضر المؤمن المطيع شيئا في الآخرة وإن تضرر بها في الدنيا بسبب العقوبة التي تحل بأهل الأرض، إذا أضاعوا أمر اللّه، فتأتي عامة. فلم يضر امرأة فرعون اتصالها به. وهو من أكفر الكافرين، ولم ينفع امرأة نوح ولوط اتصالهما بهما وهما رسولا رب العالمين.
المثل الثاني للمؤمنين : مريم التي لا زوج لها، لا مؤمن ولا كافر.
فذكر ثلاثة أصناف النساء : المرأة الكافرة التي لها وصلة بالرجل الصالح. والمرأة الصالحة التي لها وصلة بالرجل الكافر. والمرأة العزب التي لا وصلة بينها وبين أحد.
فالأولى : لا تنفعها وصلتها وسببها.
والثانية : لا تضرها وصلتها وسببها.
والثالثة : لا يضرها عدم الوصلة شيئا.
ثم في هذه الأمثال من الأسرار البديعة ما يناسب سياق السورة. فإنها سيقت في ذكر أزواج النبي صلّى اللّه عليه وسلّم وتحذيرهن من التظاهر عليه، وأنهن إن لم يطعن اللّه ورسوله، ويردن الدار الآخرة : لم ينفعهن اتصالهن برسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، كما لم ينفع امرأة نوح وامرأة لوط اتصالهما بهما.
قال يحيى بن سلام : ضرب اللّه المثل الأول يحذر عائشة وحفصة، ثم ضرب لهما المثل الثاني يحرضهما على التمسك بالطاعة
[سورة التحريم (٦٦) : آية ١٢]
وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَها فَنَفَخْنا فِيهِ مِنْ رُوحِنا وَصَدَّقَتْ بِكَلِماتِ رَبِّها وَكُتُبِهِ وَكانَتْ مِنَ الْقانِتِينَ (١٢)
وفي ضرب المثل للمؤمنين مريم أيضا : اعتبار آخر، وهو أنها لم يضرها عند اللّه شيئا قذف أعداء اللّه اليهود لها، ونسبتهم إياها وابنها إلى ما


الصفحة التالية
Icon