ص : ٥٨٢
وأما حديث أبي بكر الذي احتج به أرباب هذا القول. فحديث لا يصح. والحديث الصحيح في تلك القصة يشهد ببطلانه. ونحن نسوقه بلفظه.
في صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي اللّه عنه قال :«خرج رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ذات يوم أو ليلة. فإذا هو بأبي بكر وعمر، فقال : ما أخرجكما من بيوتكما في هذه الساعة؟ قالا : الجوع، يا رسول اللّه. قال : وأنا والذي نفسي بيده، لأخرجني الذي أخرجكما، قوما، فقاما معه. فأتى رجلا من الأنصار، فإذا هو ليس في بيته. فلما رأته امرأته قالت : مرحبا وأهلا. فقال لها رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم : أين فلان؟ قالت : ذهب ليستعذب لنا من الماء، إذ جاء الأنصاري، فنظر إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وصاحبيه، فقال : الحمد للّه ما أجد اليوم أكرم أضيافا مني. قال : فانطلق فجاءهم بعذق فيه بسر وتمر ورطب فقال : كلوا من هذا. فأخذ المدية، فقال له رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم : إياك والحلوبة. فذبح لهم، فأكلوا من الشاة، ومن ذلك العذق، وشربوا. فلما أن شبعوا ورووا قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم لأبي بكر وعمر : والذي نفسي بيديه لتسألن عن هذا النعيم يوم القيامة. أخرجكم من بيوتكم الجوع، ثم لم ترجعوا حتى أصبتم هذا النعيم».
فهذا الحديث الصحيح صريح في تعميم الخطاب، وأنه غير مختص بالكفار.
وأيضا فالواقع يشهد بعدم اختصاصه، وأن الإلهاء بالتكاثر واقع بين المسلمين كثيرا، بل أكثرهم قد ألهاه التكاثر. وخطاب القرآن عام لمن بلغه، وإن كان أول من دخل فيه المعاصرون لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فهو متناول لمن بعدهم. وهذا معلوم بضرورة الدين، وإن نازع فيه من لا يعتد بقوله من المتأخرين.
فنحن اليوم ومن قبلنا ومن بعدنا داخلون تحت قوله تعالى : ٢ :