ص : ٥٩٥
يا أيها الذين كفروا فسّره- واللّه أعلم- إرادة الدلالة على أن من كان الكفر وصفا ثابتا له لازما لا يفارقه، فهو حقيق أن يتبرأ اللّه منه، ويكون هو أيضا بريئا من اللّه، فحقيق بالموحد البراءة منه، فكان في معرض البراءة التي هي غاية البعد والمجانبة بحقيقة حاله، التي هي غاية الكفر، وهو الكفر الثابت اللازم، في غاية المناسبة، فكأنه يقول : كما أن الكفر لازم لكم ثابت لا تنتقلون عنه فمجانبتكم والبراءة منكم ثابتة لي دائما أبدا، ولهذا أتى فيها بالنفي الدال على الاستمرار في مقابلة الكفر الثابت المستمر. وهذا واضح.
وأما المسألة التاسعة. وهي : ما هي الفائدة في قوله : لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ وهل أفاد هذا معنى زائدا على ما تقدم؟.
فيقال : في ذلك من الحكمة- واللّه أعلم- أن النفي الأول أفاد البراءة وأنه لا يتصور منه، ولا ينبغي له : أن يعبد معبوديهم، وهم أيضا لا يكونون عابدين لمعبوده، وأفاد آخر السورة إثبات ما تضمنه النفي من جهتهم من الشرك والكفر الذي هو حظهم وقسمهم ونصيبهم، فجرى ذلك مجرى من اقتسم هو وغيره أرضا فقال له : لا تدخل في حدى، ولا أدخل في حدك، لك أرضك، ولي أرضي.
فتضمنت الآية أن هذه البراءة اقتضت أنا اقتسمنا خطتنا بيننا، فأصابنا التوحيد والإيمان، فهو نصيبنا وقسمنا الذي نختص به لا تشركونا فيه، وأصابكم الشرك باللّه والكفر به، فهو نصيبكم وقسمكم الذي تختصون به لا نشرككم فيه، فتبارك من أحيا قلوب من شاء من عباده بفهم كلامه.
وهذه المعاني ونحوها إذا تجلت للقلوب. رافلة في حللها، فإنها تسبي القلوب وتأخذ بمجامعها، ومن لم يصادف من قلبه حياة فهي خود تزفّ إلى ضرير مقعد، فالحمد للّه على مواهبه التي لا منتهي لها، ونسأله إتمام نعمته.
وأما المسألة العاشرة. وهي : تقديم قسمهم ونصيبهم على قسمه