ص : ٦٠
على ما لا قدرة لهم عليه، ولا هو من فعلهم، بل هو بمنزلة ألوانهم، وطولهم وقصرهم، بل هو يعاقبهم على نفس فعله بهم. فهو الفاعل لقبائحهم في الحقيقة، وهو المعاقب لهم عليها. فحمده عليها يأبى ذلك أشد الإباء، وينفيه أعظم النفي، فتعالى من له الحمد كله عن ذلك علوا كبيرا، بل إنما يعاقبهم على نفس أفعالهم التي فعلوها حقيقة. فهي أفعالهم لا أفعاله. وإنما أفعاله العدل والإحسان والخيرات الوجه الثاني : إثبات رحمته ورحمانيته تنفي ذلك. إذ لا يمكن اجتماع هذين الأمرين قط : أن يكون رحمانا رحيما، ويعاقب العبد على ما لا قدرة له عليه، ولا هو من فعله، بل يكلفه ما لا يطيقه، ولا له عليه قدرة البتة ثم يعاقبه عليه، وهل هذا إلا ضد الرحمة. ونقض لها وإبطال؟ وهل يصح في معقول أحد : اجتماع ذلك، والرحمة التامة الكاملة في ذات واحدة؟.
الوجه الثالث : إثبات العبادة والاستعانة لهم، ونسبتها إليهم بقولهم :
«
نعبد ونستعين»
وهي نسبة حقيقية لا مجازية، واللّه لا يصح وصفه بالعبادة والاستعانة التي هي من أفعال عبيده، بل العبد حقيقة : هو العابد المستعين. واللّه المعبود المستعان به.

فصل


في بيان تضمنها للرد على القائلين بالموجب بالذات دون الاختيار والمشيئة. وبيان أنه سبحانه فاعل مختار.
وذلك من وجوه :
أحدها : من إثبات حمده، إذ كيف يحمده على ما ليس مختارا لوجوده، ولا هو بمشيئته وفعله؟ وهل يصح حمد الماء على آثاره وموجباته؟


الصفحة التالية
Icon