ص : ٦٠٦
استعاذوا من شره. وقد أخبر تعالى في كتابه عمن استعاذ بخلقه : أن استعاذته زادته طغيانا ورهقا. فقال حكاية عن مؤمني الجن : ٧٢ : ٦ وَأَنَّهُ كانَ رِجالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزادُوهُمْ رَهَقاً جاء في التفسير : أنه «كان الرجل من العرب في الجاهلية إذا سافر فأمسى في أرض قفر، قال : أعوذ بسيد هذا الوادي من شر سفهاء قومه. فيبيت في أمن وجوار منهم، حتى يصبح» أي فزاد الإنس الجن باستعاذتهم بسادتهم رهقا أي طغيانا وإثما وشرا. يقولون : سدنا الانس والجن. و«الرهق» في كلام العرب : الإثم وغشيان المحارم. فزادوهم بهذه الاستعاذة غشيانا لما كان محظورا من الكبر والتعاظم، فظنوا أنهم سادوا الإنس والجن.
واحتج أهل السنة على المعتزلة، في أن كلمات اللّه غير مخلوقة : بأن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم استعاذ
بقوله :«أعوذ بكلمات اللّه التامات»
وهو صلّى اللّه عليه وسلّم لا يستعيذ بمخلوق أبدا.
ونظير ذلك :
قوله :«أعوذ برضاك من سخطك، وبمعافاتك من عقوبتك»
فدل على أن رضاه وعفوه من صفاته، وأنه غير مخلوق. وكذلك
قوله :«أعوذ بعزة اللّه وقدرته»
وقوله :«أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات»
وما استعاذ به النبي صلّى اللّه عليه وسلّم غير مخلوق، فإنه لا يستعيذ إلا باللّه، أو بصفة من صفاته.
وجاءت الاستعاذة في هاتين السورتين باسم الرب، والملك، والإله.
وجاءت الربوبية فيهما مضافة إلى الفلق، وإلى الناس. ولا بد من أن يكون ما وصف به نفسه في هاتين السورتين يناسب الاستعاذة المطلوبة.
ويقتضى دفع الشر المستعاذ منه أعظم مناسبة وأبينها.
وقد قررنا في مواضع متعددة : أن اللّه سبحانه يدعى بأسمائه الحسنى.
فيسأل لكل مطلوب باسم يناسبه ويقتضيه. و
قد قال النبي صلّى اللّه عليه وسلّم في هاتين السورتين «أنه ما تعوذ المتعوذون بمثلهما»
فلا بد أن يكون الاسم المستعاذ به