ص : ٦٢٢
شَراباً إِلَّا حَمِيماً وَغَسَّاقاً
قال : هو الزمهرير يحرقهم ببرده. كما تحرقهم النار بحرها. وكذلك قال مجاهد ومقاتل : هو الذي انتهى برده.
ولا تنافي بين القولين. فإن الليل بارد مظلم. فمن ذكر برده فقط، أو ظلمته فقط : اقتصر على أحد وصفيه.
والظلمة في الآية أنسب لمكان الاستعاذة. فإن الشر الذي يناسب الظلمة أولى بالاستعاذة من البرد الذي في الليل. ولهذا استعاذ برب الفلق الذي هو الصبح والنور : من شر الغاسق، الذي هو الظلمة. فناسب الوصف المستعاذ به المعنى المطلوب بالاستعاذة. كما سنزيده تقريرا عن قريب إن شاء اللّه.
فإن قيل : فما تقولون فيما
رواه الترمذي من حديث ابن أبي ذئب عن الحرث بن عبد الرحمن عن أبي سلمة عن عائشة قالت :«أخذ النبي صلّى اللّه عليه وسلّم بيدي، فنظر إلى القمر، فقال : يا عائشة، استعيذي باللّه من شر هذا. فإن هذا هو الغاسق إذا وقب»
قال الترمذي : هذا حسن صحيح. وهذا أولى من كل تفسير. فيتعين المصير إليه؟.
قيل : هذا التفسير حق، ولا يناقض التفسير الأول، بل يوافقه، ويشهد لصحته. فإن اللّه تعالى قال : ١٧ : ١٢ وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهارَ آيَتَيْنِ، فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْلِ، وَجَعَلْنا آيَةَ النَّهارِ مُبْصِرَةً فالقمر هو آية الليل، وسلطانه فيه. فهو أيضا غاسق إذا وقب، كما أن الليل غاسق إذا وقب، والنبي صلّى اللّه عليه وسلّم أخبر عن القمر بأنه غاسق إذا وقب. وهذا خبر صدق. وهو أصدق الخبر، ولم ينف عن الليل اسم الغاسق إذا وقب. وتخصيص النبي صلّى اللّه عليه وسلّم له بالذكر لا ينفي شمول الاسم لغيره.
ونظير هذا : قوله في المسجد الذي أسس على التقوى- وقد سئل عنه-
فقال :«هو مسجدي هذا»
ومعلوم أن هذا لا ينفي كون مسجد قباء مؤسسا على التقوى مثل ذاك.


الصفحة التالية
Icon