ص : ٦٣١
حباب عن زيد بن أرقم قال «سحر النبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم رجل من اليهود، فاشتكى لذلك أياما. قال : فأتاه جبريل، فقال : إن رجلا من اليهود سحرك، وعقد لذلك عقدا. فأرسل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عليا. فاستخرجها، فجاء بها، فجعل كلّما حلّ عقدة وجد لذلك خفّة. فقام رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم كأنما نشط من عقال. فما ذكر ذلك لليهودي، ولا رآه في وجهه قط»
وقال ابن عباس وعائشة «كان غلام من اليهود يخدم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم. فدنت إليه اليهود. فلم يزالوا حتى أخذ مشاطة رأس النبي صلّى اللّه عليه وسلّم، وعدّة أسنان من مشطه. فأعطاها اليهود، فسحروه فيها، وتولّى ذلك لبيد بن الأعصم : رجل من اليهود. فنزلت هاتان السورتان فيه».
قال البغوي : وقيل «كانت مغروزة بالأبر. فأنزل اللّه عز وجل هاتين السورتين. وهما أحد عشر آية : سورة الفلق خمس آيات، وسورة الناس ست آيات فكلما قرأ آية انحلت عقدة، حتى انحلت العقد كلها. فقام النبي صلّى اللّه عليه وسلّم كأنما أنشط من عقال» قال : وروى أنه لبث فيه ستة أشهر، واشتد عليه ثلاثة أيام فنزلت المعوذتان.
قالوا : والسحر الذي أصابه كان مرضا من الأمراض عارضا شفاه اللّه منه. ولا نقص في ذلك، ولا عيب بوجه ما. فإن المرض يجوز على الأنبياء. وكذلك الإغماء. فقد أغمى عليه صلّى اللّه عليه وسلّم في مرضه، ووقع حين انفكّت قدمه وجحش شقّه وهذا من البلاء الذي يزيده اللّه به رفعة في درجاته.
ونيل كرامته. وأشد الناس بلاء الأنبياء. فابتلوا من أممهم بما ابتلوا به : من القتل، والضرب، والشتم، والحبس. فليس ببدع أن يبتلى النبي صلّى اللّه عليه وسلّم من بعض أعدائه بنوع من السحر، كما ابتلى بالذي رماه فشجّه. وابتلى بالذي ألقى على ظهره السّلا «١» وهو ساجد، وغير ذلك. فلا نقص عليهم. ولا عار في ذلك، بل هذا من كمالهم، وعلو درجاتهم عند اللّه.