ص : ٦٣٤
وهو أبعد اللّه عنها. وقد علم كل عاقل أنها كذب وافتراء وبهتان.
وأما قولكم : إن سحر الأنبياء ينافي حماية اللّه لهم فإنه سبحانه كما يحميهم ويصونهم ويحفظهم ويتولاهم، فيبتليهم بما شاء من أذى الكفار لهم ليستوجبوا كمال كرامته، وليتسلى بهم من بعدهم من أممهم وخلفائهم إذا أوذوا من الناس، فرأوا ما جرى على الرسل والأنبياء، صبروا ورضوا، وتأسّوا بهم، ولتمتلئ صاع الكفار فيستوجبون ما أعدّ لهم من النكال العاجل، والعقوبة الآجلة، فيمحقهم بسبب بغيهم وعدوانهم، فيعجل تطهير الأرض منهم. فهذا من بعض حكمته تعالى في ابتلاء أنبيائه ورسله بإيذاء قومهم. وله الحكمة البالغة، والنعمة السابغة لا إله غيره، ولا رب سواه.
وقد دل قوله : مِنْ شَرِّ النَّفَّاثاتِ فِي الْعُقَدِ وحديث عائشة المذكور على تأثير السحر، وأن له حقيقة.
وقد أنكر ذلك طائفة من أهل الكلام من المعتزلة وغيرهم.
وقالوا : إنه لا تأثير للسحر البتة لا في مرض، ولا قتل، ولا حل، ولا عقد.
قالوا : وإنما ذلك تخييل لأعين الناظرين، لا حقيقة له سوى ذلك.
وهذا خلاف ما تواترت به الآراء عن الصحابة والسلف، واتفق عليه الفقهاء، وأهل التفسير والحديث. وما يعرفه عامة العقلاء.
والسحر الذي يؤثر مرضا وثقلا وعقدا وحبا وبغضا ونزيفا وغير ذلك من الآثار موجود، تعرفه عامة الناس. وكثير منهم قد علمه ذوقا بما أصيب به منه، وقوله تعالى : وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثاتِ فِي الْعُقَدِ دليل على أن هذا النفث يضر المسحور في حال غيبته عنه، ولو كان الضرر لا يحصل إلا بمباشرة البدن ظاهرا، كما يقوله هؤلاء. لم يكن للنفث ولا للنفاثات شر يستعاذ منه.
وأيضا فإذا جاز على الساحر أن يسحر جميع أعين الناظرين مع كثرتهم


الصفحة التالية
Icon