ص : ٦٣٧
وقد تقدم في حديث أبي سعيد الصحيح : رقية جبريل النبي صلّى اللّه عليه وسلّم وفيها «بسم اللّه أرقيك. من كل شيء يؤذيك، من شر كل نفس، أو عين حاسد، اللّه يشفيك» فهذا فيه الاستعاذة من شر عين الحاسد.
ومعلوم أن عينه لا تؤثر بمجردها، إذا لو نظر إليه نظر لاه ساه عنه، كما ينظر إلى الأرض والجبل وغيره، لم يؤثر فيه شيئا، وإنما إذا نظر إليه نظر من قد تكيّفت نفسه الخبثة وانسمّت، واحتدت فصارت نفسا غضبية خبيثة حاسدة أثرت بها تلك النظرة فأثرت في المحسود تأثيرا بحسب صفة ضعفه، وقوة نفس الحاسد. فربما أعطبه وأهلكه، بمنزلة من فوّق سهما نحو رجل عريان فأصاب منه مقتلا. وربما صرعه وأمرضه. والتجارب عند الخاصة والعامة بهذا أكثر من أن تذكر.
وهذه العين إنما تأثيرها بواسطة النفس الخبيثة. وهي في ذلك بمنزلة الحيّة التي إنما يؤثر سمها إذا عضّت واحتدت فإنها تتكيف بكيفية الغضب والخبث، فتحدث فيها تلك الكيفية السمّ، فتؤثر في اللديغ، وربما قويت تلك الكيفية واشتدت في نوع منها حتى تؤثر بمجرد نظرة. فتطمس البصر، وتسقط الحبل. كما ذكره النبي صلّى اللّه عليه وسلّم في الأبتر، وذي الطّفيتين منها.
فقال «اقتلوهما فإنهما يطمسان البصر، ويسقطان الحبل»
فإذا كان هذا في الحيات فما الظن في النفوس الشريرة الغضبية الحاسدة، إذا تكيفت بكيفيتها الغضبية، وانسمت وتوجهت إلى المحسود بكيفيتها؟ فلله كم من قتيل؟ وكم من سليب؟ وكم من معافى عاد مضنى على فراشه، يقول طبيبه : لا أعلم داءه ما هو؟ فصدق. ليس هذا الداء من علم الطبائع. هذا من علم الأرواح وصفاتها. وكيفياتها ومعرفة تأثيراتها في الأجسام والطبائع، وانفعال الأجسام عنها.
وهذا علم لا يعرفه إلا خواص الناس، والمحجوبون منكرون له. ولا يعلم تأثير ذلك وارتباطه بالطبيعة وانفعالها عنه إلا من له نصيب من ذوقه.
وهل الأجسام إلا كالخشب الملقى؟ وهل الانفعال والتأثير، وحدوث ما