ص : ٦٣٨
يحدث عنها من الأفعال العجيبة، والآثار الغريبة إلا من الأرواح، والأجسام آلتها بمنزلة الصانع؟ فالصنعة في الحقيقة له، والآلات وسائط في وصول أثره إلى الصنع.
ومن له أدنى فطنة وتأمل لأحوال العالم وقد لطفت روحه، وشاهدت أحوال الأرواح وتأثيرتها، وتحريكها الأجسام وانفعالها عنها. وكل ذلك بتقدير العزيز العليم، خالق الأسباب والمسببات- رأى عجائب في الكون، وآيات دالة على وحدانية اللّه، وعظمة ربوبيته، وأن ثم عالما آخر تجرى عليه أحكام أخر، تشهد آثارها. وأسبابها غيب عن الأبصار.
فتبارك اللّه رب العالمين. وأحسن الخالقين الذي أتقن ما صنع، وأحسن كل شيء خلقه.
ولا نسبة لعالم الأجسام إلى عالم الأرواح، بل هو أعظم وأوسع، وعجائبه أبهر وآياته أعجب.
وتأمل هذا الهيكل الإنساني إذا فارقته الروح، كيف يصير بمنزلة الخشبة أو القطعة من اللحم؟ فأين ذهبت تلك العلوم والمعارف والعقل، وتلك الصنائع الغريبة، وتلك الأفعال العجيبة، وتلك الأفكار والتدبيرات؟
كيف ذهبت كلها مع الروح، وبقي الهيكل سواء هو والتراب؟ وهل يخاطبك من الإنسان أو يراك أو يحبك أو يواليك، أو يعاديك، ويخفّ عليك أو يثقل، ويؤنسك أو يوحشك إلا ذلك الأمر الذي هو وراء الهيكل المشاهد بالبصر؟.
فرب رجل عظيم الهيولى كبير الجثة. خفيف على قلبك، حلو عندك. وآخر لطيف الخلقة، صغير الجثة، أثقل على قلبك من جبل. وما ذاك إلا للطافة روح ذاك وخفتها وحلاوتها، وكثافة هذا وغلظ روحه ومرارتها.
وبالجملة : فالعلق والوصل التي بين الأشخاص والمنافرات والبعد :
إنما هي للأرواح أصلا والأشباح تبعا.


الصفحة التالية
Icon