ص : ٦٥٦
أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء كتبه اللّه عليك».
فإذا جرد العبد التوحيد فقد خرج من قلبه خوف ما سواه، وكان عدوه أهون عليه من أن يخافه مع اللّه، بل يفرد اللّه بالمخافة وقد أمنه منه. وخرج من قلبه اهتمامه به، واشتغاله به وفكره فيه، وتجرد للّه محبة وخشية وإنابة وتوكلا، واشتغالا به عن غيره، فيرى أن إعماله فكره في أمر عدوه وخوفه منه واشتغاله به من نقص توحيده، وإلا فلو جرد توحيده لكان له فيه شغل شاغل، واللّه يتولى حفظه والدفع عنه، فإن اللّه يدافع عن الذين آمنوا، فإن كان مؤمنا باللّه فاللّه يدافع عنه ولا بد. وبحسب إيمانه يكون دفاع اللّه عنه.
فإن كمل إيمانه كان دفع اللّه عنه أتم دفع، وإن مزج، مزج له. وإن كان مرة اللّه عليه جملة. ومن أعرض عن اللّه بكليته أعرض اللّه عنه جملة. ومن كان مرة ومرة فاللّه له مرة ومرة.
فالتوحيد حصن اللّه الأعظم الذي من دخله كان من الآمنين، قال بعض السلف : من خاف اللّه خافه كل شيء. ومن لم يخف اللّه أخافه من كل شيء.
هذه عشرة أسباب يندفع بها شر الحاسد والعائن والساحر، وليس له أنفع من التوجه إلى اللّه وإقباله عليه، وتوكله عليه، وثقته به، وأن لا يخاف معه غيره، بل يكون خوفه منه وحده، ولا يرجو سواه، بل يرجوه وحده، فلا يعلق قلبه بغيره، ولا يستغيث بسواه. ولا يرجو إلا إياه. ومتى علّق قلبه بغيره ورجاه وخافه : وكل إليه وخذل من جهته، فمن خاف شيئا غير اللّه سلّط عليه. ومن رجا شيئا سوى اللّه خذل من جهته وحرم خيره. هذه سنة اللّه في خلقه. ولن تجد لسنة اللّه تبديلا.
فصل
فقد عرفت بعض ما اشتملت عليه هذه السورة من القواعد النافعة