ص : ٦٦٠
عنهم، وحفظهم مما يفسدهم. هذا معنى ربوبيته لهم. وذلك يتضمن قدرته التامة. ورحمته الواسعة، وإحسانه، وعلمه بتفاصيل أحوالهم، وإجابة دعواتهم، وكشف كرباتهم.
الإضافة الثانية : إضافة الملك : فهو ملكهم المتصرف فيهم : وهم عبيده ومماليكه، وهو المتصرف لهم المدبر لهم كما يشاء، النافذ القدرة فيهم، الذي له السلطان التام عليهم، فهو ملكهم الحق : الذي إليه مفزعهم عند الشدائد والنوائب، وهو مستغاثهم ومعاذهم وملجأهم. فلا صلاح لهم ولا قيام إلا به وبتدبيره فليس لهم ملك غيره يهربون إليه إذا دهمهم العدو، ويستصرخون به إذا نزل العدو بساحتهم.
الإضافة الثالثة : إضافة الإلهية. فهو إلههم الحق، ومعبودهم الذي لا إله لهم سواه ولا معبود لهم غيره. فكما أنه وحده هو ربهم ومليكهم لم يشركه في ربوبيته ولا في ملكه أحد، فكذلك هو وحده إلههم ومعبودهم. فلا ينبغي أن يجعلوا معه شريكا في إلهيته، كما لا شريك معه في ربوبيته وملكه.
وهذه طريقة القرآن يحتج عليهم بإقرارهم بهذا التوحيد على ما أنكروه من توحيد الإلهية والعبادة.
وإذا كان وحده هو ربنا وملكنا وإلهنا، فلا مفزع لنا في الشدائد سواه.
ولا ملجأ لنا منه إلا إليه. ولا معبود لنا غيره. فلا ينبغي أن يدعى ولا يخاف ولا يرجى، ولا يحب سواه، ولا يذلّ لغيره، ولا يخضع لسواه، ولا يتوكّل إلا عليه، لأن من ترجوه وتخافه وتدعوه وتتوكل عليه : إما أن يكون مربّيك والقيم بأمورك، ومتولي شأنك وهو ربك، فلا رب سواه، أو تكون مملوكه وعبده الحق، فهو ملك الناس حقا، وكلهم عبيده ومماليكه، أو يكون معبودك وإلهك الذي لا تستغني عنه طرفة عين، بل حاجتك إليه أعظم من حاجتك إلى حياتك وروحك، وهو الإله الحق إله الناس الذي لا إله لهم سواه.