ص : ٦٧٠
وقالت طائفة : الخنّس : هي الراجعة التي ترجع كل ليلة إلى جهة المشرق، وهي السبعة السيارة.
قالوا : وأصل الخنوس : الرجوع إلى وراء. و«الخناس» مأخوذ من هذين المعنيين. فهو من الاختفاء والرجوع والتأخر. فإن العبد إذا غفل عن ذكر اللّه جثم على قلبه الشيطان. وانبسط عليه، وبذر فيه أنواع الوساوس التي هي أصل الذنوب كلها. فإذا ذكر العبد ربه واستعاذ به، انخنس وانقبض، كما ينخنس الشيء ليتوارى. وذلك الانخناس والانقباض : هو أيضا تجمّع ورجوع، وتأخر عن القلب إلى خارج. فهو تأخر ورجوع معه اختفاء.
وخنس وانخنس : يدل على الأمرين معا. قال قتادة : الخناس : له خرطوم كخرطوم الكلب في صدر الإنسان. فإذا ذكر العبد ربه خنسه.
ويقال : رأسه كرأس الحية. وهو واضع رأسه على ثمرة القلب يمنّيه ويحدثه. فإذا ذكر اللّه خنس. وإذا لم يذكره عاد، ووضع رأسه يوسوس إليه ويمنيه.
وجيء من هذا الفعل بوزن فعّال الذي للمبالغة دون الخانس والمنخنس : إيذانا بشدة هروبه ورجوعه، وعظم نفوره عند ذكر اللّه. وأن ذلك دأبه وديدنه لا أنه يعرض له ذلك ذكر اللّه أحيانا. بل إذا ذكر اللّه هرب وانخنس وتأخر. فإن ذكر اللّه هو مقمعته التي يقمع بها، كما يقمع المفسد والشرير بالمقامع التي تردعه من سياط وحديد وعصىّ ونحوها. فذكر اللّه يقمع الشيطان ويؤلمه ويؤذيه، كالسياط والمقامع التي تؤذي من يضرب بها.
ولهذا يكون شيطان المؤمن هزيلا ضئيلا مضنى، مما يعذبه المؤمن ويقمعه به من ذكر اللّه وطاعته.
وفي أثر عن بعض السلف : أن المؤمن ينضي شيطانه كما ينضي الرجل بعيره في السفر. لأنه كلما اعترضه صب عليه سياط الذكر، والتوجه


الصفحة التالية
Icon