ص : ٦٩٥
إن جردت التوحيد بينهم قالوا : تنقصت جناب الأولياء والصالحين.
وإن جردت المتابعة لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قالوا : أهدرت الأئمة المتبوعين.
وإن وصفت اللّه بما وصف به نفسه، وبما وصفه به رسوله من غير غلوّ ولا تقصير قالوا : أنت من المشبهين.
وإن أمرت بما أمر اللّه به ورسوله من المعروف ونهيت عما نهى اللّه عنه ورسوله من المنكر، قالوا : أنت من المفتنين.
وإن اتبعت السنة وتركت ما خالفها قالوا : أنت من أهل البدع المضلين.
وإن انقطعت إلى اللّه تعالى، وخليت بينهم وبين جيفة الدنيا، قالوا :
أنت من الملبسين.
وإن تركت ما أنت عليه واتبعت أهواءهم، فأنت عند اللّه من الخاسرين، وعندهم من المنافقين.
فالحزم كل الحزم : التماس مرضاة اللّه تعالى ورسوله بإغضابهم، وأن لا تشتغل بإعتابهم، ولا باستعتابهم، ولا تبالي بذمهم ولا بغضهم. فإنه عين كمالك كما قال :
وإذا أتتك مذمتي من ناقص فهي الشهادة لي بأني فاضل
وقال آخر :
وقد زادني حبا لنفسي أنني بغيض إلى كل امرئ غير طائل
فمن أيقظ بواب قلبه وحارسه من هذه المداخل الأربعة التي هي أصل بلاء العالم، وهي فضول النظر، والكلام، والطعام، والمخالطة. واستعمل ما ذكرناه من الأسباب التسعة التي تحرزه من الشيطان. فقد أخذ بنصيبه من التوفيق. وسد على نفسه أبواب جهنم، وفتح عليها أبواب الرحمة، وانغمر ظاهره وباطنه، ويوشك أن يحمد عند الممات عاقبة هذا الدواء. فعند الممات يحمد القوم التقى. وفي الصباح يحمد القوم السّرى. واللّه الموفق لا رب غيره، ولا إله سواه.