ص : ٧٨
للّه، وبغضهم للّه. فمعاملتهم ظاهرا وباطنا لوجه اللّه وحده. لا يريدون بذلك من الناس جزاء ولا شكورا، ولا ابتغاء الجاه عندهم، ولا طلب المحمدة، والمنزلة في قلوبهم، ولا هربا من ذمهم. بل قد عدوا الناس بمنزلة أصحاب القبور، لا يملكون لهم ضرا ولا نفعا، ولا موتا ولا حياة ولا نشورا. فالعمل لأجل هؤلاء، وابتغاء الجاه والمنزلة عندهم، ورجائهم للضر والنفع منهم، لا يكون من عارف بهم البتة، بل من جاهل بشأنهم، وجاهل بربه، فمن عرف الناس أنزلهم منازلهم. ومن عرف اللّه أخلص له أعماله وأقواله، وعطاءه ومنعه وحبه وبغضه، ولا يعامل أحد الخلق دون اللّه إلا لجهله باللّه وجهله بالخلق، وإلا فإذا عرف اللّه وعرف الناس آثر معاملة اللّه على معاملتهم، وكذلك أعمالهم كلها وعباداتهم موافقة لأمر اللّه، ولما يحبه ويرضاه، وهذا هو العمل الذي لا يقبل اللّه من عامل سواه. وهو الذي بلا عباده بالموت والحياة لأجله. قال اللّه تعالى ٦٧ : ٢ الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَياةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وجعل ما على الأرض زينة لها ليختبرهم أيهم أحسن عملا، قال الفضيل بن عياض «١» : هو أخلصه وأصوبه. قالوا يا أبا على : ما أخلصه وأصوبه؟ قال : إن العمل إذا كان خالصا ولم يكن صوابا.
لم يقبل. وإذا كان صوابا ولم يكن خالصا لم يقبل، حتى يكون خالصا صوابا، والخالص : ما كان للّه، والصواب : ما كان على السنة. وهذا هو المذكور في قوله تعالى ١٨ : ١١٠ فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صالِحاً، وَلا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً.