ص : ٨١
إليه، وقالوا : هو أفضل من درجة العلم والعبادة، فرأوا الزهد في الدنيا غاية كل عبادة ورأسها.
وخواصهم رأوا هذا مقصودا لغيره، وأن المقصود به عكوف القلب على اللّه، وجمع المهمة عليه، وتفريغ القلب لمحبته، والإنابة إليه، والتوكل عليه، والاشتغال بمرضاته. فرأوا أن أفضل العبادات في الجمعية على اللّه، ودوام ذكره بالقلب واللسان، والاشتغال بمراقبته، دون كل ما فيه تفريق للقلب وتشتيت له.
ثم هؤلاء قسمان : فالعارفون المتبعون منهم : إذا جاء الأمر والنهي بادروا إليه ولو فرّقهم وأذهب جمعيتهم. والمنحرفون منهم يقولون : المقصود من العبادة جمعية القلب على اللّه. فإذا جاء ما يفرقه عن اللّه لم يلتفت إليه.
وربما يقول قائلهم :
يطالب بالأوراد من كان غافلا فكيف بقلب كل أوقاته ورد؟
ثم هؤلاء أيضا قسمان : منهم من يترك الواجبات والفرائض لجمعيته، ومنهم من يقوم بها، ويترك السنن والنوافل، وتعلم العلم النافع لجمعيته.
وسأل هؤلاء شيخا عارفا فقال : إذا أذن المؤذن وأنا في جمعيتي على اللّه، فإن قمت وخرجت تفرقت، وإن بقيت على حالي بقيت على جمعيتي، فما الأفضل في حقي؟.
فقال : إذا أذن المؤذن وأنت تحت العرش فقم، وأجب داعي اللّه، ثم عد إلى موضعك. وهذا لأن الجمعية على اللّه : حظ الروح والقلب، وإجابة الداعي : حق الرب، ومن آثر حظ روحه على حق ربه فليس من أهل «إياك نعبد».
الصنف الثالث : رأوا أن أنفع العبادات وأفضلها ما كان فيه نفع متعد، فرأوه أفضل من ذي النفع القاصر، فرأوا خدمة الفقراء، والاشتغال بمصالح