قوله عز وجل (إِنَّ اللهَ يَأَمُرُ بِالعَدلِ وَالِإحسانِ) الآية. أخبرنا أبو إسحاق أحمد بن محمد بن إبراهيم قال: أخبرنا شعيب بن محمد البيهقي قال: أخبرنا مكي بن عبدان قال: حدثنا أبو الأزهر قال: حدثنا روح بن عبادة عن عبد الحميد بن بهرام قال: حدثنا شهر بن حوشب قال: حدثنا عبد الله بن عباس قال: بينما رسول الله ﷺ بفناء بيته بمكة جالساً، إذ مر به عثمان بن مظعون فكشر إلى النبي ﷺ فقال له: ألا تجلس؟ فقال: بلى، فجلس إليه مستقبله، فبينما هو يحدثه إذ شخص بصره إلى السماء، فنظر ساعة وأخذ يضع بصره حتى وضع على عتبة في الأرض، ثم تحرف عن جليسه عثمان إلى حيث وضع بصره فأخذ ينغض رأسه كأنه يستنقه ما يقال له، ثم شخص بصره إلى السماء كما شخص أول مرة، فأتبعه بصره حتى توارى في السماء، وأقبل على عثمان كجلسته الأولى، فقال: يا محمد فيما كنت أجالسك وآتيك ما رأيتك تفعل فعلتك الغداة، قال: ما رأيتني فعلت؟ قال: رأيتك شخص بصرك إلى السماء ثم وضعته حتى وضعته على يمينك، فتحرفت إليه وتركتني، فأخذت تنغض رأسك كأنك تستنقه شيئاً يقال لك، قال أوفطنت إلى ذلك؟ قال عثمان نعم، قال: أتاني رسول الله جبريل عليه السلام وسلم آنفاً وأنت جالس، قال: فماذا قال لك؟ قال: قال لي (إِنَّ اللهَ يَأَمُرُ بِالعَدلِ وَالِإحسانِ وَإِيتاءِ ذي القُربى وَيَنهى عَنِ الفَحشاءِ وَالمُنكَرِ وَالبَغيِ يَعِظُكُم لَعَلَكُم تَذَكَّرونَ) فذاك حين استقر الإيمان في قلبي وأحببت محمداً صلى الله عليه وسلم.
قوله تعالى (وَإِذا بَدَّلنا آَيَةً مَّكانَ آَيَةٍ) نزلت حين قال المشركون: إن محمداً عليه الصلاة والسلام سخر بأصحابه، يأمرهم اليوم بأمر وينهاهم عنه غداً، أو يأتيهم بما هو أهون عليهم، وما هو إلا مفترى يقوله من تلقاء نفسه، فأنزل الله تعالى هذه الآية - والتي بعدها.
قوله تعالى (وَلَقَد نَعلَمُ أَنَّهُم يَقولونَ إِنَّما يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ) الآية. أخبرنا أبو نصر أحمد بن إبراهيم قال: أخبرنا أبو عبد الله محمد بن حمدان الزاهد قال: أخبرنا عبد الله بن محمد بن عبد العزيز قال: حدثنا أبو هاشم الرفاعي قال: حدثنا أبو فضيل قال: حدثنا حصين عن عبيد الله بن مسلم قال: كان لنا غلامان نصرانيان من أهل عين التمر اسم أحدهما يسار والآخر خير، وكانا يقرآن كتباً لهم بلسانهم، وكان رسول الله ﷺ يمر بهما فيسمع قراءتهما، وكان المشركون يقولون يتعلم منهما، فأنزل الله تعالى فأكذبهم (لِسانُ الَّذي يُلحِدونَ إِلَيهِ أَعجَميٌّ وَهَذا لِسانٌ عَرَبِيٌّ مُّبينٌ).
قوله عز وجل (مَن كَفَرَ بِاللهِ مِن بَعدِ إِيمانِهِ) الآية. قال ابن عباس: نزلت في عمار بن ياسر، وذلك أن المشركين أخذوه وأباه ياسراً وأمه سمية وصهيباً وبلالاً وخباباً وسالماً، فأما سمية فإنها ربطت بين بعيرين ووجيء قبلها بحربة، وقيل لها: إنك أسلمت من أجل الرجال فقتلت وقتل زوجها ياسر وهما أول قتيلين قتلا في الإسلام. وأما عمار فإنه أعطاهم ما أرادوا بلسانه مكرهاً، فأخبر النبي ﷺ بأن عماراً كفر، فقال: كلا إن عماراً مليء إيماناً من قرنه إلى قدمه واختلط الإيمان بلحمه ودمه، فأتى عمار رسول الله ﷺ وهو يبكي، فجعل رسول الله عليه الصلاة والسلام يمسح عينيه، وقال: إن عادوا لك فعد لهم بما قلت، فأنزل الله هذه الآية.
وقال مجاهد: نزلت في ناس من أهل مكة آمنوا، فكتب إليهم المسلمون المدينة أن هاجروا فإنا لا نراكم منا حتى تهاجروا إلينا، فخرجوا يريدون المدينة فأدركتهم قريش بالطريق ففتنوهم مكرهين، وفيهم نزلت هذه الآية.