أخبرنا سعيد بن محمد المؤذن قال: أخبرنا أبو علي الفقيه قال: أخبرنا أبو القاسم البغوي قال: أخبرنا داود بن عمرو قال: أخبرنا منصور بن الأسود عن الأعمش، عن أبي نضرة، عن جابر قال: كان لعبد الله بن أبي جارية يقال لها مسيكة، فكان يكرهها على البغاء، فأنزل الله عز وجل (وَلا تُكرِهوا فَتَياتِكُم عَلى البِغاءِ) إلى آخر الآية.
وقال المفسرون: نزلت في معاذة ومسيكة جاريتي عبد الله بن أبي المنافق كان يكرههما على الزنا لضريبة يأخذها منهما وكذلك كانوا يفعلون في الجاهلية يؤاجرون إماءهم، فلما جاء الإسلام قالت معاذة لمسيكة: إن هذا الأمر الذي نحن فيه لا يخلو من وجهين، فإن يك خيراً فقد استكثرنا منه، وإن يك شراً فقد آن لنا أن ندعه، فأنزل الله تعالى هذه الآية.
وقال مقاتل نزلت في ست جوار لعبد الله بن أبي كان يكرههن على الزنا ويأخذ أجورهن، وهن: معاذة ومسيكة وأميمة وعمرة وأروى وقتيلة، فجاءت إحداهن ذات يوم بدينار وجاءت أخرى بدونه، فقال لهما ارجعا فازنيا، فقالتا والله لا نفعل، قد جاءنا الله بالإسلام وحرم الزنا، فأتيا رسول الله ﷺ وشكيتا إليه، فأنزل الله تعالى هذه الآية.
أخبرنا الحاكم أبو عمرو محمد بن عبد العزيز فيما كتب إلي أن أحمد بن الفضل الحواري أخبرهم عن محمد بن يحيى قال: أخبرنا إسحاق بن إبراهيم قال: أخبرنا عبد الرزاق قال: أخبرنا معمر عن الزهري أن رجلاً من قريش أسر يوم بدر، وكان عند عبد الله بن أبي أسيراً، وكانت لعبد الله جارية يقال لها معاذة، وكان القرشي الأسير يراودها عن نفسها، وكانت تمتنع منه لإسلامها، وكان ابن أبي يكرهها على ذلك ويضربها لأجل أن تحمل من القرشي فيطلب فداء ولده، فقال الله تعالى (وَلا تُكرِهوا فَتَياتِكُم عَلى البِغاءِ إِن أَردنَ تَحَصُّناً) إلى قوله (غَفورٌ رَّحيمٌ) قال أغفر لهن ما أكرهن عليه.
قوله تعالى (وَإِذا دُعُوا إِلى اللهِ وَرَسولِهِ) الآية. قال المفسرون: هذه الآية والتي بعدها في بشر المنافق وخصمه اليهودي حين اختصما في أرض، فجعل اليهودي يجره إلى رسول الله ﷺ ليحكم بينهما، وجعل المنافق يجره إلى كعب بن الأشرف ويقول: إن محمداً يحيف علينا، وقد مضت هذه القصة عند قوله (يُريدونَ أَن يَتَحاكَموا إِلى الطّاغوتِ) في سورة النساء.
قوله تعالى (وَعَدَ اللهُ الَّذينَ آَمَنوا مِنكُم وَعَمِلوا الصالِحاتِ) الآية. روى الربيع بن أنس عن أبي العالية في هذه الآية قال: مكث رسول الله ﷺ بمكة عشر سنين بعد ما أوحى الله إليه خائفاً هو وأصحابه يدعون إلى الله سبحانه سراً وعلانية، ثم أمر بالهجرة إلى المدينة وكانوا بها خائفين، يصبحون في السلاح ويمسون في السلاح، فقال رجل من أصحابه: يا رسول الله ما يأتي علينا يوم نأمن فيه ونضع السلاح، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لن تلبثوا إلا يسيراً حتى يجلس الرجل منكم في الملأ العظيم محبياً ليست فيهم حديدة، وأنزل الله تعالى (وَعَدَ اللهُ الَّذينَ آَمَنوا مِنكُم وَعَمِلوا الصالِحاتِ) إلى آخر الآية، فأظهر الله تعالى نبيه على جزيرة العرب، فوضعوا السلاح وأمنوا ثم قبض الله تعالى نبيه فكانوا آمنين كذلك في إمارة أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم حتى وقعوا فيما وقعوا فيه وكفروا النعمة، فأدخل الله عليهم الخوف، وغيروا فغير الله بهم.
أخبرنا إسماعيل بن الحسن بن محمد بن الحسين النقيب قال: أخبرنا جدي قال: أخبرنا عبد الله بن محمد بن الحسن النصراباذي قال: أخبرنا أحمد بن سعيد الدارمي قال: أخبرنا علي بن الحسين بن واقد قال: أخبرنا أبي عن الربيع بن أنس، عن أبي العالية، عن أبي بن كعب قال: لما قدم النبي عليه الصلاة والسلام وأصحابه المدينة وآوتهم الأنصار رمتهم العرب عن قوس واحد، فكانوا لا يبيتون إلا في السلاح ولا يصبحون إلا في لأمتهم، فقالوا: ترون أنا نعيش حتى نبيت آمنين مطمئنين لا نخاف إلا الله عز وجل، فأنزل الله تعالى لنبيه (وَعَدَ اللهُ الَّذينَ آَمَنوا مِنكُم وَعَمِلوا الصالِحاتِ) إلى قوله (وَمَن كَفَرَ بَعدَ ذَلِكَ فَأُلَئِكَ هُمُ الفاسِقونَ) يعني بالنعمة. رواه الحاكم في صحيحه عن محمد بن صالح بن هانيء، عن أبي سعيد بن شاذان، عن الدارمي.


الصفحة التالية
Icon