قوله (وَلَن تَرضى عَنكَ اليَهودُ وَلا النَصارى) الآية. قال المفسرون: إنهم كانوا يسألون النبي ﷺ الهدنة ويطمعون أنهم إذا هادنوه وأمهلهم اتبعوه ووافقوه، فأنزل الله تعالى هذه الآية. وقال ابن عباس هذا في القبلة، وذلك أن يهود المدينة ونصارى نجران كانوا يرجون أن يصلي النبي ﷺ إلى قبلتهم، فلما صرف الله القبلة إلى الكعبة شق ذلك عليهم، فيئسوا منه أن يوافقهم على دينهم فأنزل الله تعالى هذه الآية.
قوله (الَّذينَ آتَيناهُمُ الكِتابَ يَتلونَهُ حَقَ تِلاوَتِهِ) قال ابن عباس في رواية عطاء والكلبي: نزلت في أصحاب السفينة الذين أقبلوا مع جعفر بن أبي طالب من أرض الحبشة كانوا أربعين رجلاً من الحبشة وأهل الشام. وقال الضحاك: نزلت فيمن آمن من اليهود. وقال قتادة وعكرمة: نزلت في محمد صلى الله عليه وسلم.
قوله (أَم كُنتُم شُهَداءَ إِذ حَضَرَ يَعقوبَ المَوتَ) الآية. نزلت في اليهود حين قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: ألست تعلم أن يعقوب يوم مات أوصى بنيه باليهودية.
قوله (وَقالوا كونوا هودَاً أَو نَصارى تَهتَدوا) قال ابن عباس: نزلت في رؤوس يهود المدينة: كعب بن الأشرف، ومالك بن الصيف، وأبي ياسر بن أخطب، وفي نصارى أهل نجران، وذلك أنهم خاصموا المسلمين في الدين كل فرقة تزعم أنها أحق بدين الله تعالى من غيرها، فقالت اليهود: نبينا موسى أفضل الأنبياء، وكتابنا التوراة أفضل الكتب، وديننا أفضل الأديان، وكفرت بعيسى والإنجيل ومحمد والقرآن، وقالت النصارى: نبينا عيسى أفضل الأنبياء وكتابنا أفضل الكتب، وديننا أفضل الأديان، وكفرت بمحمد والقرآن. وقال كل واحد من الفريقين للمؤمنين: كونوا على ديننا فلا دين إلا ذلك ودعوهم إلى دينهم.
قوله (صِبغَةَ اللهِ وَمَن أَحسَنُ مِنَ اللهِ صِبغَةً) قال ابن عباس: إن النصارى كان إذا ولد لأحدهم ولد فأتى عليه سبعة أيام، صبغوه في ماء لهم يقال له المعمودي ليطهروه بذلك، ويقولون هذا طهور مكان الختان، فإذا فعلوا ذلك صار نصرانياً حقاً، فأنزل الله تعالى هذه الآية.
قوله (سَيَقولُ السُفَهاءُ مِنَ الناسِ) الآية. نزلت في تحويل القبلة.
أخبرنا محمد بن أحمد بن جعفر قال: أخبرنا زاهر بن جعفر قال: أخبرنا الحسن بن محمد بن مصعب قال: حدثنا يحيى بن حكيم قال: حدثنا عبد الله بن رجاء قال: حدثنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن البراء قال: لما قدم رسول الله ﷺ المدينة فصلى نحو بيت المقدس ستة عشر شهراً أو سبعة عشر شهراً، وكان رسول الله ﷺ يحب أن يتوجه نحو الكعبة، فأنزل الله تعالى (قَد نَرى تَقَلُّبَ وَجهِكَ في السَماءِ) إلى آخر الآية، فقال السفهاء من الناس وهم اليهود: ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها قال الله تعالى (قُل للهِ المَشرِقُ وَالمَغرِبُ) إلى آخر الآية، رواه البخاري عن عبد الله بن رجاء. ٠ قوله (وَما كانَ اللهُ لِيُضيعَ إِيمانَكُم) قال ابن عباس في رواية الكلبي: كان رجال من أصحاب رسول الله ﷺ قد ماتوا على القبلة الأولى، منهم أسعد بن زرارة وأبو أمامة أحد بني النجار، والبراء بن معرور أحد بني سلمة، وأناس آخرون، جاءت عشائرهم فقالوا: يا رسول الله توفي إخواننا وهم يصلون إلى القبلة الأولى، وقد صرفك الله تعالى إلى قبلة إبراهيم، فكيف بإخواننا؟ فأنزل الله (وَما كانَ الله ُلِيُضيعَ إِيمانَكُم) الآية، ثم قال (قَد نَرى تَقَلُبَ وَجهِكَ في السَماءِ) وذلك أن النبي ﷺ قال لجبريل عليه السلام: وددت أن الله صرفني عن قبلة اليهود إلى غيرها، وكان يريد الكعبة، لأنها قبلة إبراهيم، فقال له جبريل: إنما أنا عبد مثلك لا أملك شيئاً، فسل ربك أن يحولك عنها إلى قبلة إبراهيم، ثم ارتفع جبريل وجعل رسول الله ﷺ يديم النظر إلى السماء رجاء أن يأتيه جبريل بما سأله، فأنزل الله تعالى هذه الآية.