فَإِن كُنتُم جِئتُم لِحَقنِ دِمائِكُم وَأَموالِكُم أَن تُقَسَموا في المَقاسِمِ
فَلا تَجعَلوا للَهِ نَداً وَأَسلِموا وَلا تَفخَروا عِندَ النَبِيِّ بِدارِمِ
وَإِلا وَرَبُ البَيتِ مَالَت أَكُفَنا عَلى هامِكُم بِالمُرهَفاتِ الصَوارِمِ
قال: فقام الأقرع بن حابس فقال: إن محمداً المولى إنه والله ما أدري ما هذا الأمر، تكلم خطيبنا فكان خطيبهم أحسن قولاً، وتكلم شاعرنا فكان شاعرهم أشعر، ثم دنا من النبي ﷺ فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ما نصرك ما كان قبل هذا، ثم أعطاهم رسول الله ﷺ وكساهم وارتفعت الأصوات وكثر اللغط عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله هذه الآية (لا تَرفَعوا أَصواتَكُم فَوقَ صَوتِ النَبِيِّ) إلى قوله (وَأَجرٌ عَظيمٌ).
قوله عز وجل (يا أَيُّها الَّذينَ آَمَنوا إِن جاءَكُم فاسِقٌ بِنَباءٍ فَتَبَيَنوا) الآية. نزلت في الوليد بن عقبة بن أبي معيط بعثه رسول الله ﷺ إلى بني المصطلق مصدقاً، وكان بينه وبينهم عداوة في الجاهلية، فلما سمع القوم تلقوه تعظيماً لله تعالى ولرسوله، فحدثه الشيطان أنهم يريدون قتله فهابهم، فرجع من الطريق إلى رسول الله ﷺ وقال: إن بني المصطلق قد منعوا صدقاتهم وأرادوا قتلي، فغضب رسول الله ﷺ وهم أن يغزوهم، فبلغ القوم رجوعه، فأتوا رسول الله ﷺ وقالوا: سمعنا برسولك، فخرجنا نتلقاه ونكرمه ونؤدي إليه ما قبلنا من حق الله تعالى، فبدا له في الرجوع، فخشينا أن يكون إنما رده من الطريق كتاب جاءه منك بغضب غضبته علينا، وإنا نعوذ بالله من غضبه وغضب رسوله، فأنزل الله تعالى (يا أَيُّها الَّذينَ آَمَنوا إِن جاءَكُم فاسِقٌ بِنَباءٍ فَتَبَيَنوا) يعني الوليد بن عقبة.
أخبرنا الحاكم أبو عبد الله الشاذياخي قال: أخبرنا محمد بن عبد الله بن زكريا الشيباني قال: أخبرنا محمد بن عبد الرحمن الدغولي قال: أخبرنا سعيد بن مسعود قال: أخبرنا محمد بن سابق قال: أخبرنا عيسى بن دينار قال: أخبرنا أبي أنه سمع الحارث بن ضرار يقول: قدمت على رسول الله ﷺ فدعاني إلى الإسلام، فدخلت في الإسلام وأقررت ودعاني إلى الزكاة، فأقررت بها، فقلت: يا رسول الله أرجع إلى قومي فأدعوهم إلى الإسلام وأداء الزكاة، فمن استجابني جمعت زكاته، فترسل لأبان كذا وكذا لآتيك بما جمعت من الزكاة، فلما جمع الحرث بن ضرار وبلغ الأبان الذي أراد أن يبعث إليه رسول الله ﷺ احتبس عليه الرسول، فلم يأته، فظن الحرث أن قد حدث فيه سخطة من الله ورسوله، فدعا سروات قومه، فقال لهم إن رسول الله ﷺ قد كان وقت لي وقتاً ليرسل إلي ليقبض ما كان عندي من الزكاة، وليس من رسول الله ﷺ خلف، ولا أرى حبس رسوله إلا من سخطه، فانطلقوا فنأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبعث رسول الله ﷺ الوليد بن عقبة إلى الحارث ليقبض ما كان عنده مما جمع من الزكاة، فلما أن سار الوليد حتى بلغ بعض الطريق، فرق فرجع فقال: يا رسول الله إن الحارث منعني الزكاة، وأراد قتلي، فضرب رسول الله ﷺ البعث إلى الحارث، وأقبل الحارث بأصحابه فاستقبل البعث وقد فصل من المدينة، فلقيهم الحارث فقالوا: هذا الحارث، فلما غشيهم قال لهم إلى من بعثتم؟ قالوا: إليك، قال: ولم؟ قالوا: إن رسول الله ﷺ كنا بعث إليك الوليد بن عقبة، فرجع إليه، فزعم أنك منعته الزكاة وأردت قتله، قال: والذي بعث محمداً بالحق ما رأيته ولا أتاني، فلما أن دخل الحارث على رسول الله ﷺ قال: منعت الزكاة وأردت قتل رسولي؟ قال: لا والذي بعثك ما رأيت رسولك. ولا أتاني ولا أقبلت إلا حين احتبس علي رسولك خشية أن يكون سخط من الله ورسوله، قال: فنزلت في الحجرات (يا أَيُّها الَّذينَ آَمَنوا إِن جاءَكُم فاسِقٌ بِنَباءٍ فَتَبَيَّنوا أَن تُصيبوا قَوماً بِجَهالَةٍ فَتُصبِحوا عَلى ما فَعَلتُم نادِمينَ) إلى قوله تعالى (فَضلاً مِّنَ اللهِ وَنِعمَةً واللهُ عَليمٌ حَكيمٌ).


الصفحة التالية
Icon