قوله تعالى (وَإِذا جاءُوكَ حَيَّوكَ بِما لَم يُحَيِّكَ بِهِ اللهُ). أخبرنا أبو بكر محمد بن عمر الخشاب قال: أخبرنا أبو إسحاق إبراهيم بن عبد الله الأصفهاني قال: أخبرنا محمد بن إسحاق السراج قال: أخبرنا قتيبة بن سعيد قال: أخبرنا جرير عن الأعمش، عن أبي الضحى، عن مسروق، عن عائشة قالت: جاء ناس من اليهود إلى النبي ﷺ فقالوا: السام عليك يا أبا القاسم، فقلت: السام عليكم وفعل الله بكم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مه يا عائشة، فإن الله تعالى لا يحب الفحش ولا التفحش، فقلت: يا رسول الله ألست أدرى ما يقولون؟ قال: ألست ترين أرد عليهم ما يقولون؟ أقول: وعليكم ونزلت هذه الآية في ذلك (وَإِذا جاءُوكَ حَيَّوكَ بِما لَم يُحَيِّكَ بِهِ اللهُ).
أخبرنا أبو سعيد محمد بن عبد الرحمن الغازي قال: أخبرنا أبو عمرو محمد بن أحمد الحيري قال: أخبرنا أحمد بن علي بن المثنى قال: أخبرنا زهير بن محمد قال: أخبرنا يونس بن محمد قال: أخبرنا شيبان، عن قتادة، عن أنس أن يهودياً أتى النبي ﷺ فقال: السام عليك، فرد القوم، فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم: هل تدرون ما قال؟ قالوا الله ورسوله أعلم يا نبي الله، قال: لا، ولكن قال كذا وكذا ردوه علي، فردوه عليه، فقال: قلت السام عليكم؟ قال: نعم، فقال نبي الله ﷺ عند ذلك: إذا سلم عليكم أحد من أهل الكتاب فقولوا: أي عليك ما قلت، ونزل قوله تعالى (وَإِذا جاءُوكَ حَيَّوكَ بِما لَم يُحَيِّكَ بِهِ اللهُ).
قوله تعالى (يا أَيُّها الَّذينَ آَمَنوا إِذا قيلَ لَكُم تَفَسَّحوا في المَجالِسِ فافسَحوا يَفسَحِ اللهُ لَكُم) الآية. قال مقاتل: كان النبي ﷺ في الصفة وفي المكان الضيق وذلك يوم الجمعة، وكان رسول الله ﷺ يكرم أهل بدر من المهاجرين والأنصار، فجاء ناس من أهل بدر وقد سبقوا إلى المجلس، فقاموا حيال النبي ﷺ على أرجلهم ينتظرون أن يوسع لهم فلم يفسحوا لهم، وشق ذلك على رسول الله ﷺ فقال لمن حوله من غير أهل بدر: قم يا فلان وأنت يا فلان، فأقام من المجلس بقدر النفر الذي قاموا بين يديه من أهل بدر، فشق ذلك على من أقيم من مجلسه وعرف النبي ﷺ الكراهية في وجوههم، فقال المنافقون للمسلمين ألستم تزعمون أن صاحبكم يعدل بين الناس؟ والله ما عدل على هؤلاء قوم أخذوا مجالسهم وأحبهم القرب من نبيهم أقامهم وأجلس من أبطأ عنهم مقامهم، فأنزل الله تعالى هذه الآية.
قوله عز وجل (يا أَيُّها الَّذينَ آَمَنوا إِذا ناجَيتُمُ الرَسولَ) الآية. قال مقاتل بن حيان: نزلت الآية في الأغنياء، وذلك أنهم كانوا يأتون النبي ﷺ فيكثرون مناجاته ويغلبون الفقراء على المجالس حتى كره رسول الله ﷺ ذلك من طول جلوسهم ومناجاتهم، فأنزل الله تبارك وتعالى هذه الآية، وأمر بالصدقة عند المناجاة، فأما أهل العسرة فلم يجدوا شيئاً، وأما أهل الميسرة فبخلوا، واشتد ذلك على أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فنزلت الرخصة.
وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: إن في كتاب الله لآية ما عمل بها أحد قبلي ولا يعمل بها أحد بعدي (يا أَيُّها الَّذينَ آَمَنوا إِذا ناجَيتُمُ الرَسولَ) كان لي دينار فبعته، وكنت إذا ناجيت الرسول تصدقت بدرهم حتى نفد، فنسخت بالآية الأخرى (ءَأَشفَقتُم أَن تُقَدِّموا بَينَ يَدَي نَجواكُم صَدَقاتٍ).
قوله عز وجل (أَلَم تَرَ إِلى الَّذينَ تَوَلَّوا قَوماً غَضِبَ اللهُ عَلَيهِم) الآيات إلى قوله (وَيَحسَبونَ أَنَّهُم عَلى شَيءٍ أَلا إِنَّهُم هُمُ الكاذِبونَ) وقال السدي ومقاتل: نزلت في عبد الله بن نبتل المنافق كان يجالس النبي ﷺ ثم يرفع حديثه إلى اليهود، فبينا رسول الله ﷺ في حجرة من حجره، إذ قال: يدخل عليكم الآن رجل قلبه قلب جبار وينظر بعيني شيطان، فدخل عبد الله بن نبتل وكان زرق، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا غلام تشتمني أنت وأصحابك؟ فحلف بالله ما فعل ذلك، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: فعلت. فانطلق فجاء بأصحابه فحلفوا بالله ما سبوه. فأنزل الله تعالى هذه الآية.