بسم اللَّهِ الرحمن الرحيم. قوله عز وجل (يا أَيُّها الَّذينَ آَمَنوا لا تَتَّخِذوا عَدُوُّي وَعَدُوَّكُم أَولِياءَ) الآية. قال جماعة من أهل المفسرين: نزلت في حاطب بن أبي بلتعة وذلك أن سارة مولاة أبي عمر بن صهيب بن هشام بن عبد مناف أتت رسول الله ﷺ من مكة إلى المدينة ورسول الله ﷺ يتجهز لفتح مكة فقال لها: أمسلمة جئت؟ قالت لا، قال: فما جاء بك؟ قالت أنتم الأهل والعشيرة والموالي، وقد احتجت حاجة شديدة فقدمت عليكم لتعطوني وتكسوني، قال لها: فأين أنت من شباب أهل مكة، وكانت مغنية، قالت: ما طلب مني شيء بعد وقعة بدر، فحث رسول الله ﷺ بني عبد المطلب فكسوها وحملوها وأعطوها، فأتاها حاطب بن أبي بلتعة وكتب معها إلى أهل مكة وأعطاها عشرة دنانير على أن توصل إلى أهل مكة، وكتب في الكتاب: من حاطب إلى أهل مكة، إن رسول الله ﷺ يريدكم فخذوا حذركم، فخرجت سارة ونزل جبريل عليه السلام، فأخبر النبي ﷺ بما فعل حاطب، فبعث رسول الله ﷺ علياً وعماراً والزبير وطلحة والمقداد بن الأسود وأبا مرثد وكانوا كلهم فرساناً، وقال لهم انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ، فإن فيها ظعينة معها كتاب من حاطب إلى المشركين، فخذوه منها وخلوا سبيلها، فإن لم تدفعه إليكم فاضربوا عنقها، فخرجوا حتى أدركوها في ذلك المكان، فقالوا لها: أين الكتاب؟ فحلفت بالله ما معها كتاب، ففتشوا متاعها فلم يجدوا معها كتاباً، فهموا بالرجوع، فقال علي والله ما كذبنا ولا كذبنا وسل سيفه وقال: أخرجي الكتاب وإلا والله لأجزرنك ولأضربن عنقك، فلما رأت الجد أخرجته من ذؤابتها قد خبأته في شعرها، فخلوا سبيلها ورجعوا بالكتاب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأرسل رسول الله ﷺ إلى حاطب فأتاه فقال له: هل تعرف الكتاب؟ قال: نعم، قال: فما حملك على ما صنعت؟ فقال: يا رسول الله والله ما كفرت منذ أسلمت ولا غششتك منذ نصحتك ولا أحببتهم منذ فارقتهم، ولكن لم يكن أحد من المهاجرين إلا وله بمكة من يمنع عشيرته، وكنت غريباً فيهم وكان أهلي بين ظهرانيهم، فخشيت على أهلي فأردت أن أتخذ عندهم يداً، وقد علمت أن الله ينزل بهم بأسه وكتابي لا يغني عنهم شيئاً، فصدقه رسول الله ﷺ وعذره، فنزلت هذه السورة (يا أَيُّها الَّذينَ آَمَنوا لا تَتَّخِذوا عَدُوّي وَعَدُوَّكُم أَولِياءَ) فقام عمر بن الخطاب فقال: دعني يا رسول الله أضرب عنق هذا المنافق، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وما يدريك يا عمر. لعل الله قد اطلع على أهل بدر فقال لهم: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم؟.
أخبرنا أبو بكر أحمد بن الحسن بن محمد، أخبرنا محمد بن يعقوب، أخبرنا الربيع، أخبرنا الشافعي، أخبرنا سفيان بن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن الحسن بن محمد، أخبرنا محمد بن يعقوب بن علي بن عبيد الله بن أبي رافع، قال: سمعت علياً يقول: بعثنا رسول الله ﷺ أنا والزبير والمقداد قال: انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ فإن فيها ظعينة معها كتاب، فقلنا لها: لتخرجن الكتاب أو لتلقين الثياب، فأخرجته من عقاصها فأتينا به رسول الله ﷺ فإذا فيه: من حاطب بن أبي بلتعة إلى ناس من المشركين ممن بمكة، يخبر بعض أمر النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: ما هذا يا حاطب؟ فقال: لا تعجل علي، إني كنت امرأ ملصقاً في قريش ولم أكن من نفسها، وكان من معك من المهاجرين لهم قرابات يحمون بها قراباتهم، ولم يكن لي بمكة قرابة، فأحببت إذ فاتني ذلك أن أتخذ عندهم يداً، والله ما فعلته شاكاً في ديني ولا رضا بالكفر بعد الإسلام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنه قد صدق، فقال عمر: دعني يا رسول الله أضرب عنق هذا المنافق، فقال: إنه قد شهد بدراً، وما يدريك لعل الله اطلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم، ونزلت (يا أَيُّها الَّذينَ آَمَنوا لا تَتَّخِذوا عَدُوّي وَعَدُوَّكُم أَولِياءَ تُلقونَ إِلَيهِم بِالمَوَدَّةِ) رواه البخاري عن حميد، ورواه مسلم عن أبي بكر بن أبي شيبة وجماعة كلهم عن سفيان.