قال أهل التفسير وأصحاب السير: غزا رسول الله ﷺ بني المصطلق، فنزل على ماء من مياههم يقال له المريسيع، فوردت واردة الناس ومع عمر بن الخطاب أجير من بني غفار يقال له جهجاه بن سعيد يقود فرسه، فازدحم جهجاه وسنان الجهني حليف بني العوف من الخزرج على الماء، فاقتتلا، فصرخ الجهني يا معشر الأنصار، وصرخ الغفاري يا معشر المهاجرين، فلما أن جاء عبد الله بن أبي قال ابنه وراءك، قال: ما لك ويلك؟ قال: لا والله لا تدخلها أبداً إلا بإذن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولتعلم اليوم من الأعز من الأذل، فشكا عبد الله إلى رسول الله ﷺ ما صنع ابنه، فأرسل إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم: ارتحل عنه حتى يدخل، فقال: أما إذ جاء أمر النبي عليه الصلاة والسلام فنعم، فدخل، فلما نزلت هذه السورة وبان كذبه قيل له: يا أبا حباب إنه قد نزلت فيك آي شداد فاذهب إلى رسول الله ﷺ ليستغفر لك، فلوى رأسه، فذلك قوله (وَإِذا قيلَ لَهُم تَعالوا يَستَغفِر لَكُم رَسولُ اللهِ لَوَّوا رُؤُوسَهُم) الآية.
سورة التغابن
بسم اللَّهِ الرحمن الرحيم. قوله عز وجل (يا أَيُّها الَّذينَ آَمَنوا إِنَّ مِن أَزواجِكُم وَأَولادِكُم عَدوَّاً لَّكُم) الآية. قال ابن عباس: كان الرجل يسلم فإذا أراد أن يهاجر منعه أهله وولده وقالوا: ننشدك الله أن تذهب فتدع أهلك وعشيرتك وتصير إلى المدينة بلا أهل ولا مال، فمنهم من يرق لهم ويقيم ولا يهاجر، فأنزل الله تعالى هذه الآية.
أخبرنا أحمد بن عبد الله الشيباني، أخبرنا أبو الفضل أحمد بن إسماعيل بن يحيى بن حازم، أخبرنا عمر بن محمد بن يحيى، أخبرنا محمد بن عمر المقدمي، أخبرنا أشعث بن عبد الله، أخبرنا شعبة عن إسماعيل بن أبي خالد قال: كان الرجل يسلم فيلومه أهله وبنوه، فنزلت هذه الآية (إِنَّ مِن أَزواجِكُم وَأَولادِكُم عَدوَّاً لَّكُم فَاِحذَروهُم) قال عكرمة عن ابن عباس: وهؤلاء الذين منعهم أهلهم عن الهجرة لما هاجروا ورأوا الناس قد فقهوا في الدين هموا أن يعاقبوا أهليهم الذين منعوهم، فأنزل الله تعالى " وإن تعفوا وتصفحوا وتغفروا فإن الله غفور رحيم ".
سورة الطلاق
بسم الله الرحمن الرحيم. قوله عز وجل (يا أَيُّها النَبِيُّ إِذا طَلَّقتُمُ النِساءَ فَطَلِّقوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ) الآية. روى قتادة عن أنس قال: طلق رسول الله ﷺ حفصة، فأنزل الله تعالى هذه الآية، وقيل له راجعها فإنها صوامة قوامة، وهي من إحدى أزواجك ونسائك في الجنة.
وقال السدي: نزلت في عبد الله بن عمر، وذلك أنه طلق امرأته حائضاً، فأمره رسول الله ﷺ أن يراجعها ويمسكها حتى تطهر ثم تحيض حيضة أخرى، فإذا طهرت طلقها إن شاء قبل أن يجامعها، فإنها العدة التي أمر الله بها.
أخبرنا منصور بن عبد الوهاب بن أحمد الشالنجي، أخبرنا أبو عمر بن أحمد الحيري، أخبرنا محمد بن ديجونة، أخبرنا عبد العزيز بن يحيى، أخبرنا الليث بن سعد، عن نافع، عن ابن عمر أنه طلق امرأته وهي حائض تطليقة واحدة، فأمره رسول الله ﷺ أن يراجعها، ثم يمسكها حتى تطهر وتحيض عنده حيضة أخرى، ثم يمهلها حتى تطهر من حيضتها، فإن أراد أن يطلقها فيطلقها حين تطهر من قبل أن يجامعها، فتلك العدة التي أمر الله تعالى أن تطلق لها النساء.
قوله تعالى (وَمَن يَتَّقِ اللهَ يَجعَل لَّهُ مَخرَجاً وَيَرزُقُهُ مِن حَيثُ لا يَحتَسِبُ) نزلت الآية في عوف بن مالك الأشجعي، وذلك أن المشركين أسروا ابناً له، فأتى رسول الله ﷺ وشكا إليه الفاقة، وقال: إن العدو أسر ابني وجزعت الأم فما تأمرني؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: اتق الله واصبر، وآمرك وإياها أن تستكثرا من قول: لا حول ولا قوة إلا بالله، فعاد إلى بيته وقال لامرأته: إن رسول الله ﷺ أمرني وإياك أن نستكثر من قول لا حول ولا قوة إلا بالله، فقالت: نعم ما أمرنا به، فجعلا يقولان، فغفل العدو عن ابنه، فساق غنمهم وجاء بها إلى أبيه وهي أربعة آلاف شاة، فنزلت هذه الآية.