قوله (إِنَّ أَوَّلَ بَيتٍ وُضِعَ لِلناسِ) الآية. قال مجاهد: تفاخر المسلمون واليهود، فقالت اليهود: بيت المقدس أفضل وأعظم من الكعبة لأنه مهاجر الأنبياء وفي الأرض المقدسة، وقال المسلمون: بل الكعبة أفضل، فأنزل الله تعالى هذه الآية.
قوله (يا أَيُّها الَّذينَ آَمَنوا إِن تُطيعوا فَريقاً) الآية. أخبرنا أبو عمر العسكري فينا أذن لي في روايته قال: أخبرني محمد بن الحسين الحداد قال: أخبرنا محمد بن يحيى بن خالد قال: أخبرنا إسحاق بن إبراهيم قال: أخبرنا المؤمل بن إسماعيل قال: حدثنا حماد بن زيد، حدثنا أيوب، عن عكرمة قال : كان بين هذين الحيين من الأوس والخزرج قتال في الجاهلية، فلما جاء الإسلام اصطلحوا وألف الله بين قلوبهم، وجلس يهودي في مجلس فيه نفر من الأوس والخزرج، فأنشد شعراً قاله أحد الحيين في حربهم، فكأنهم دخلهم من ذلك، فقال الحي الآخرون: وقد قال شاعرنا في يوم كذا كذا وكذا، فقال الآخرون: وقد قال شاعرنا في يوم كذا كذا وكذا، فقالوا: تعالوا نرد الحرب جذعاً كما كانت، فنادى هؤلاء يا آل أوس، ونادى هؤلاء يا آل خزرج، فاجتمعوا وأخذوا السلاح واصطفوا للقتال، فنزلت هذه الآية، فجاء النبي ﷺ حتى قام بين الصفين فقرأها ورفع صوته، فلما سمعوا صوته أنصتوا وجعلوا يستمعون، فلما فرغ ألقوا السلاح وعانق بعضهم بعضاً وجعلوا يبكون.
وقال زيد بن أسلم مر شاس بن قيس اليهودي وكان شيخاً قد غبر في الجاهلية عظيم الكفر شديد الضغن على المسلمين شديد الحسد لهم، فمر على نفر من أصحاب رسول الله ﷺ من الأوس والخزرج في مجلس جمعهم يتحدثون فيه، فغاظه ما رأى من جماعتهم وألفتهم وصلاح ذات بينهم في الإسلام بعد الذي كان بينهم في الجاهلية من العداوة، فقال: قد اجتمع ملأ بني قيلة بهذه البلاد، لا والله مالنا معهم إذا اجتمعوا بها من قرار، فأمر شاباً من اليهود كان معه، فقال: اعمد إليهم فاجلس معهم، ثم ذكرهم بعاث وما كان فيه وأنشدهم بعض ما كانوا تقاولوا فيه من الأشعار، وكان بعاث يوماً اقتتلت فيه الأوس والخزرج، وكان الظفر فيه للأوس على الخزرج، ففعل فتكلم القوم عند ذلك، فتنازعوا وتفاخروا حتى تواثب رجلان من الحيين أوس بن قيظي أحد بني حارثة من الأوس، وجابر بن صخر أحد بني سلمة من الخزرج فتقاولا وقال أحدهما لصاحبه إن شئت رددتها جذعاً، وغضب الفريقان جميعاً وقالا: ارجعا السلاح السلاح، موعدكم الظاهرة وهي حرة، فخرجوا إليها فانضمت الأوس والخزرج بعضها إلى بعض على دعواهم التي كانوا عليها في الجاهلية، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فخرج إليهم فيمن معه من المهاجرين حتى جاءهم، فقال: يا معشر المسلمين أتدعون الجاهلية وأنا بين أظهركم بعد أن أكرمكم الله بالإسلام وقطع به عنكم أمر الجاهلية وألف بينكم، فترجعون إلى ما كنتم عليه كفاراً، الله الله، فعرف القوم أنها نزغة من الشيطان وكيد من عدوهم فألقوا السلاح من أيديهم وبكوا، وعانق بعضهم بعضاً، ثم انصرفوا مع رسول الله ﷺ سامعين مطيعين، فأنزل الله عز وجل (يا أَيُّها الَّذينَ آَمَنوا) يعني الأوس والخزرج (إِن تُطيعوا فَريقاً مِّن الَّذينَ أُوتوا الكِتابَ) يعني شاساً وأصحابه (يَرُدّوكُم بَعدَ إِيمانِكُم كافِرينَ) قال جابر بن عبد الله: ما كان طالع أكره إلينا من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأومأ إلينا بيده، فكففنا وأصلح الله تعالى ما بيننا، فما كان شخص أحب إلينا من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فما رأيت يوماً أقبح ولا أوحش أولاً وأحسن آخراً من ذلك اليوم.
قوله (وَكَيفَ تَكفُرونَ) الآية. أخبرنا أحمد بن الحسين الحيري قال: حدثنا محمد بن يعقوب، حدثنا العباس الدوري، حدثنا أبو نعيم الفضل بن دكين، حدثنا قيس بن الربيع عن الأغر، عن خليفة بن حصين، عن أبي نصر، عن ابن عباس قال: كان بين الأوس والخزرج شر في الجاهلية، فذكروا ما بينهم، فثار بعضهم إلى بعض بالسيوف فأتى النبي صلى الله عليه وسلم، فذكر ذلك له، فذهب إليهم، فنزلت هذه الآية (وَكَيفَ تَكفُرونَ وَأَنتُم تُتلى عَلَيكُم آَياتُ اللهِ وَفيكُم رَسولُهُ) ؛ (وَاِعتَصِموا بِحَبلِ اللهِ جَميعاً وَلا تَفَرَقوا).