أخبرني محمد بن عبد العزيز المروزي في كتابه قال: أخبرنا محمد بن الحسين قال: أخبرنا محمد بن يحيى قال: أخبرنا إسحاق الحنظلي قال: أخبرنا المؤملي قال حدثنا يزيد بن زريع، عن داود، عن الشعبي قال: كان بين رجل من المنافقين ورجل من اليهود خصومة، فدعا اليهودي المنافق إلى النبي ﷺ لأنه علم أنه لا يقبل الرشوة، ودعا المنافق اليهودي إلى حاكمهم لأنه علم أنهم يأخذون الرشوة في أحكامهم، فلما اختلفا اجتمعا على أن يحكما كاهناً في جهينة، فأنزل الله تعالى في ذلك (أَلَم تَرَ إِلى الَّذينَ يَزعُمونَ أَنَّهُم آَمَنوا بِما أُنزِلَ إِليكَ) يعني المنافق (وَما أُنزِلَ مِن قَبلِكَ) يعني اليهودي (يُريدونَ أَن يَتَحاكَموا إِلى الطّاغوتِ) إِلى قوله (وَيُسَلِموا تَسليماً).
وقال الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس: نزلت في رجل من المنافقين كان بينه وبين يهودي خصومه، فقال اليهودي: انطلق بنا إلى محمد، وقال المنافق: بل نأتي كعب بن الأشرف وهو الذي سماه الله تعالى الطاغوت، فأبى اليهودي إلا أن يخاصمه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما رأى المنافق ذلك أتى معه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاختصما إليه، فقضى رسول الله ﷺ لليهودي، فلما خرجا من عنده لزمه المنافق وقال: ننطلق إلى عمر بن الخطاب، فأقبلا إلى عمر، فقال اليهودي: اختصمنا أنا وهذا إلى محمد فقضى عليه فلم يرض بقضائه، وزعم أنه مخاصم إليك وتعلق بي فجئت إليك معه، فقال عمر للمنافق: أكذلك؟ قال: نعم، فقال لهما: رويداً حتى أخرج إليكما، فدخل عمر وأخذ السيف فاشتمل عليه، ثم خرج إليهما وضرب به المنافق حتى برد، وقال: هكذا أقضي لمن لم يرض بقضاء الله وقضاء رسوله، وهرب اليهودي، ونزلت هذه الآية، وقال جبريل عليه السلام: إن عمر فرق بين الحق والباطل، فسمي الفاروق.
وقال السدي: كان ناس من اليهود أسلموا ونافق بعضهم، وكانت قريظة والنضير في الجاهلية إذا قتل رجل من بني قريظة رجلاً من بني النضير قتل به وأخذ ديته مائة وسق من تمر وإذا قتل رجل من بني النضير رجلاً من قريظة لم يقتل به وأعطى ديته ستين وسقاً من تمر، وكانت النضير حلفاء الأوس وكانوا أكبر وأشرف من قريظة وهم حلفاء الخزرج، فقتل رجل من بني النضير رجلاً من قريظة واختصموا في ذلك، فقالت بنو النضير: إنا وأنتم اصطلحنا في الجاهلية على أن يقتل منكم ولا تقتلوا منا، وعلى أن ديتكم ستون وسقاً والوسق ستون صاعاً وديتنا مائة وسق، فنحن نعطيكم ذلك، فقالت الخزرج: هذا شيء كنتم فعلتموه في الجاهلية لأنكم كثرتم وقللنا فقهرتمونا، ونحن وأنتم اليوم أخوة وديننا ودينكم واحد، وليس لكم علينا فضل، فقال المنافقون: انطلقوا إلى أبي بردة الكاهن الأسلمي، وقال المسلمون: لا بل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فأبى المنافقون وانطلقوا إلى أبي بردة ليحكم بينهم، فقال: أعظموا اللقمة: يعني الرشوة، فقالوا: لك عشرة أوسق، قال: لا، بل مائة وسق ديتي، فإني أخاف إن نفرت النضيري قتلتني قريظة، وإن نفرت القريظي قتلتني النضير، فأبوا أن يعطوه فوق عشرة أوسق وأبى أن يحكم بينهم، فأنزل الله تعالى هذه الآية، فدعا النبي ﷺ كاهن أسلم إلى الإسلام، فأبى فانصرف، فقال النبي ﷺ لابنيه: أدركا أباكما فإنه إن جاوز عقبة كذا لم يسلم أبداً، فأدركاه فلم يزالا به حتى انصرف وأسلم، وأمر النبي ﷺ منادياً فنادى: ألا إن كاهن أسلم قد أسلم.
قوله تعالى (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤمِنونَ حَتّى يُحَكِّموكَ فيما شَجرَ بَينَهُم) نزلت في الزبير بن العوام وخصمه حاطب بن أبي بلتعة، وقيل هو ثعلبة بن حاطب.