وقوله تعالى (وَإِذا لَقوا الَّذينَ آَمَنوا) قال الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس: نزلت هذه الآية في عبد الله بن أبي وأصحابه، وذلك أنهم خرجوا ذات يوم فاستقبلهم نفر من أصحاب رسول الله صلى عليه وسلم، فقال عبد الله بن أبي انظروا كيف أرد هؤلاء السفهاء عنكم؟ فذهب فأخذ بيد أبي بكر فقال: مرحباً بالصديق سيد بني تميم، وشيخ الإسلام، وثاني رسول الله في الغار، الباذل نفسه وماله، ثم أخذ بيد عمر فقال: مرحباً بسيد بني عدي بن كعب، الفاروق القوي في دين الله، الباذل نفسه وماله لرسول الله، ثم أخذ بيد علي فقال: مرحباً بابن عم رسول الله وختنه، سيد بني هاشم ما خلا رسول الله، ثم افترقوا، فقال عبد الله لأصحابه: كيف رأيتموني فعلت؟ فإذا رأيتموهم فافعلوا كما فعلت، فأثنوا عليه خيراً، فرجع المسلمون إلى رسول الله ﷺ وأخبروه بذلك فأنزل الله هذه الآية.
قوله (يا أَيُّها الناسُ اُعبُدوا رَبَّكُم) أخبرنا سعيد بن محمد الزاهد قال: أخبرنا أبو علي بن أحمد الفقيه قال: أخبرنا أبو ذر القهستاني قال: حدثنا عبد الرحمن بن بشر قال: حدثنا روح قال: حدثنا شعبة عن سفيان الثوري عن الأعمش عن إبراهيم عن علقمة قال: كل شيء نزل فيه(يا أَيُّها الناسٌ) فهو مكي ويا أيها الذين آمنوا فهو مدني، يعني أن يا أيها الناس خطاب أهل مكة و (يا أَيُّها الَّذينَ آمَنوا) خطاب أهل المدينة قوله (ياأَيُّها الناسُ اُعبُدوا رَبَّكُم) خطاب لمشركي مكة إلى قوله (وَبَشِّرِ الَّذينَ آمَنوا) وهذه الآية نازلة في المؤمنين، وذلك أن الله تعالى لما ذكر جزاء الكافرين بقوله (النارُ الَّتي وَقودُها الناسُ وَالحِجارةُ أُعِدَت لِلكافِرينَ) ذكر جزاء المؤمنين.
قوله (إِنَّ اللهَ لا يَستَحيي أَن يَضرِبَ مَثَلاً) قال ابن عباس في رواية أبي صالح لما ضرب الله سبحانه هذين المثلين للمنافقين يعني قوله (مَثَلُهُم كَمَثَلِ الَّذي اِستَوقَدَ ناراً) وقوله (أَو كَصَيِّبٍ مِنَ السَماءِ) قالوا الله أجل وأعلى من أن يضرب الأمثال فأنزل الله هذه الآية، وقال الحسن وقتادة: لما ذكر الله الذباب والعنكبوت في كتابه وضرب للمشركين المثل، ضحكت اليهود وقالوا: ما يشبه هذا كلام الله فأنزل الله هذه الآية.
أخبرنا أحمد بن عبد الله بن إسحاق الحافظ في كتابه قال: أخبرنا سليمان بن أيوب الطبراني قال: حدثنا عبد العزيز بن سعيد، عن موسى بن عبد الرحمن، عن ابن جريج، عن عطاء، عن ابن عباس في قوله (إِنَّ اللهَ لا يَستَحيي أَن يَضرِبَ مَثَلاً) قال: وَذَلِكَ أن الله ذكر آلهة المشركين فقال (وَإِن يَسلِبهُمُ الذُبابُ شَيئاً) وذكر كيد الآلهة فجعله كبيت العنكبوت فقالوا ارايتم حيث ذكر الله الذباب والعنكبوت فيما أنزل من القرآن على محمد، أي شيء يصنع بهذا؟ فأنزل الله الآية.
قوله (أَتأمُرونَ الناسَ بِالبِرِ) قال ابن عباس في رواية الكلبي عن أبي حاتم بالإسناد الذي ذكر نزلت في يهود المدينة، كان الرجل منهم يقول لصهره ولذوي قرابته ولمن بينهم وبينه رضاع من المسلمين، اثبت على الدين الذي أنت عليه وما يأمرك به، وهذا الرجل، يعنون محمداً صلى الله عليه وسلم، فإن أمره حق فكانوا يأمرون الناس بذلك ولا يفعلونه.
وقوله (وَاِستَعينوا بِالصَبرِ وَالصَلاةِ) عند أكثر أهل العلم أن هذه الآية خطاب لأهل الكتاب، وهو مع ذلك أدب لجميع العباد. وقال بعضهم: رجع بهذا الخطاب إلى خطاب المسلمين، والقول الأول أظهر.
وقوله (إِنَّ الَّذينَ آَمَنوا وَالَّذينَ هادوا) الآية. أخبرنا أحمد بن محمد بن أحمد الحافظ قال: أخبرنا عبد الله بن محمد بن جعفر الحافظ قال: حدثنا أبو يحيى الرازي قال: حدثنا سهل بن عثمان العسكري قال: حدثنا يحيى بن أبي زائدة قال: قال ابن جريج: عن عبد الله بن كثير، عن مجاهد قال: لما قص سلمان على النبي ﷺ قصة أصحاب الدير قال: هم في النار، قال سلمان: فأظلمت علي الأرض فنزلت (إنَّ الَّذينَ آمَنوا وَالَّذينَ هادوا) إلى قوله (يَحزَنونَ) قال: فكأنما كشف عني جبل.