قوله تعالى (إِنّا أَنزَلنا التَوراةَ فيها هُدىً وَنورٌ) أخبرنا أبو محمد الحسن بن محمد الفارسي قال: أخبرنا محمد بن عبد الله بن حمدون قال: أخبرنا أحمد بن محمد بن الحسن قال: حدثنا محمد بن يحيى قال: حدثنا عبد الرزاق قال: حدثنا معمر عن الزهري: حدثني رجل من مزينة ونحن عند سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة قال: زنى رجل من اليهود وامرأة، قال بعضهم لبعض: اذهبوا بنا إلى هذا النبي فإنه نبي مبعوث للتخفيف، فإذا أفتانا بفتيا دون الرجم قبلناها واحتججناها عند الله، وقلنا: فتيا نبي من أنبيائك، فأتوا النبي ﷺ وهو جالس في المسجد مع أصحابه، فقالوا: يا أبا القاسم ما ترى في رجل وامرأة زنيا، فلم يكلمهما حتى أتى بيت مدراسهم، فقام على الباب فقال: أنشدكم بالله الذي أنزل التوراة على موسى ما تجدون في التوراة على من زنى إذا أحصن؟ قالوا: يحمم ويجبه ويجلد، والتجبيه: أن يحمل الزانيان على الحمار ويقابل أقفيتهما ويطاف بهما، قال: وسكت شاب منهم، فلما رآه النبي صلى الله عليه وآله وسلم سكت ألح به في النشدة، فقال: اللهم إذ أنشدتنا فإنا نجد في التوراة الرجم، فقال النبي عليه الصلاة والسلام: فما أول ما أرخصتم أمر الله عز وجل؟ قال: زنى رجل ذو قرابة من ملك من ملوكنا فأخر عنه الرجم، ثم زنى رجل من سراة الناس فأراد رجمه فاحال قومه دونه، فقالوا: لا يرجم صاحبنا حتى يجيء بصاحبكم فيرجمه، فاصطلحوا على هذه العقوبة بينهم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: فإني أحكم بما في التوراة، فأمر بهما فرجما. قال الزهري، فبلغنا أن هذه الآية نزلت فيهم (إِنّا أَنزَلنا التَوراةَ فيها هُدىً وَنورٌ يَحكُمُ بِها النَبِيّونَ الَّذينَ أَسلَموا) وكان النبي ﷺ منهم. قال معمر: أخبرني الزهري، عن سالم، عن ابن عمر قال: شهدت رسول الله ﷺ حين أمر برجمهما، فلما رجما رأيته يجنأ بيده عنها ليقيها الحجارة.
قوله عز وجل (وَأَنِ اِحكُم بَينَهُم بِما أَنزَلَ اللهُ) الآية. قال ابن عباس: إن جماعة من اليهود منهم كعب بن أسيد وعبد الله بن صوريا وشاس بن قيس قال بعضهم لبعض: اذهبوا بنا إلى محمد عليه الصلاة والسلام لعلنا نفتنه عن دينه، فأتوه فقالوا: يا محمد قد عرفت أنا أحبار اليهود وأشرافهم، وأنا إن اتبعناك اتبعنا اليهود ولن يخالفونا، وإن بيننا وبين قوم خصومة ونحاكمهم إليك، فتقضي لنا عليهم ونحن نؤمن بك ونصدقك، فأبى ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله تعالى فيهم (وَاِحذَرهُم أَن يَفتِنوكَ عَن بَعضِ ما أَنزَلَ اللهُ إِلَيكَ).
قوله تعالى (يا أَيُّها الَّذينَ آَمَنوا لا تَتَّخِذوا اليَهودَ وَالنَصارى أَولِياءَ) قال عطية العوفي: جاء عبادة بن الصامت فقال: يا رسول الله إن لي موالي من اليهود كثير عددهم حاضر نصرهم، وإني أبوء إلى الله ورسوله من ولاية اليهود، وآوي إلى الله ورسوله، فقال عبد الله بن أبي: إني رجل أخاف الدوائر ولا أبرأ من ولاية اليهود، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا أبا الحباب ما تجلب به من ولاية اليهود على عبادة بن الصامت فهو لك دونه، فقال: قد قبلت، فأنزل الله تعالى فيهما (يا أَيُّها الَّذينَ آَمَنوا لا تَتَّخِذوا اليَهودَ وَالنَصارى أَولِياءَ بَعضُهُم أَولِياءُ بَعضٍ) إلى قوله تعالى (فَتَرى الَّذينَ في قُلوبِهِم مَّرَضٌ) يعني عبد الله بن أبي (يُسارِعونَ فيهِم) وفي ولايتهم (يَقولونَ نَخشى أَن تُصيبنا دائِرةٌ) الآية.
قوله تعالى (إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسولُهُ وَالَّذينَ آَمَنوا) قال جابر بن عبد الله: جاء عبد الله بن سلام إلى النبي ﷺ فقال: يا رسول الله إن قوماً من قريظة والنضير قد هاجرونا وفارقونا وأقسموا أن لا يجالسونا، ولا نستطيع مجالسة أصحابك لبعد المنازل، وشكى ما يلقى من اليهود، فنزلت هذه الآية، فقرأها عليه رسول الله ﷺ فقال: رضينا بالله وبرسوله وبالمؤمنين أولياء. ونحو هذا قال الكلبي وزاد أن آخر الآية في علي بن أبي طالب رضوان الله عليه، لأنه أعطى خاتمه سائلاً وهو راكع في الصلاة.


الصفحة التالية
Icon