قوله تعالى (وَاللهُ يَعصِمُكَ مِنَ الناسِ) قالت عائشة رضي الله عنها: سهر رسول الله ﷺ ذات ليلة فقلت: يا رسول الله ما شأنك؟ قال: ألا رجل صالح يحرسنا الليلة، فقالت: بينما نحن في ذلك سمعت صوت السلاح، فقال: من هذا؟ قال: سعد وحذيفة جئنا نحرسك، فنام رسول الله ﷺ حتى سمعت غطيطه، ونزلت هذه الآية، فأخرج رسول الله ﷺ رأسه من قبة آدم وقال: انصرفوا يا أيها الناس فَقَد عَصَمَني الله.
أخبرنا إسماعيل بن إبراهيم الواعظ قال: حدثنا إسماعيل بن نجيد قال: حدثنا محمد بن الحسن بن الخليل بن محمد بن العلاء قال: حدثنا الجماني قال: حدثنا النضر، عن عكرمة عن ابن عباس قال: كان رسول الله ﷺ يحرس وكان يرسل معه أبو طالب رجالاً من بني هاشم يحرسونه حتى نزلت عليه هذه الآية (يا أَيُّها الرَسولُ بَلِّغ ما أُنزِلَ إِلَيكَ) إلى قوله (وَاللهُ يَعصِمُكَ مِنَ الناسِ) قال: فأراد عمه أن يرسل معه من يحرسه، فقال: يا عم إن الله تعالى قد عصمني من الجن والإنس.
قوله تعالى (لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ الناسِ عَداوَةً لِّلَّذينَ آَمَنوا اليَهودَ) الآيات، إلى قوله (وَالَّذينَ كَفَروا وَكَذَبوا) نزلت في النجاشي وأصحابه. قال ابن عباس: كان رسول الله ﷺ وهو بمكة يخاف على أصحابه من المشركين، فبعث جعفر بن أبي طالب وابن مسعود في رهط من أصحابه إلى النجاشي وقال إنه ملك صالح لا يظلم ولا يظلم عنده أحد، فاخرجوا إليه حتى يجعل الله للمسلمين فرجاً، فلما وردوا عليه أكرمهم وقال لهم: تعرفون شيئاً مما أنزل عليكم؟ قالوا: نعم قال: اقرءوا فقرءوا وحوله القسيسين والرهبان، فكلما قرءوا آية انحدرت دموعهم مما عرفوا من الحق، قال الله تعالى (ذَلِكَ بِأَنَّ مِنهُم قِسّيسينَ وَرُهباناً وَأَنَّهُم لا يَستَكبِرونَ، وَإِذا سَمِعوا ما أُنزِلَ إِلى الرَسولِ تَرى أَعيُنَهُم تَفيضُ مِنَ الدَمعِ) الآية.
أخبرنا الحسن بن محمد الفارسي قال: حدثنا محمد بن عبد الله بن حمدون بن الفضل قال: حدثنا أحمد بن محمد بن الحسن قال: حدثنا محمد بن يحيى قال حدثنا أبو صالح كاتب الليث قال: حدثني الليث قال: حدثني يونس بن شهاب، عن سعيد بن المسيب، وعن عروة ابن الزبير وغيرهما قال: بعث رسول الله ﷺ عمرو بن أمية الضمري بكتاب معه إلى النجاشي فقدم على النجاشي، فقرأ كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم دعا جعفر بن أبي طالب والمهاجرين معه، فأرسل إلى الرهبان والقسيسين، فجمعهم، ثم أمر جعفر أن يقرأ عليهم القرآن فقرأ سورة مريم عليها السلام، فآمنوا بالقرآن وأفاضت أعينهم من الدمع، وهم الذين أنزل فيهم (وَلَتَجِدَنَّ أَقرَبَهُم مَّوَدَّةً لِّلَّذينَ آَمَنوا الَّذينَ قالُوا إِنّا نَصارى) إلى قوله (فَاِكتُبنا مَعَ الشاهِدينَ).
وقال آخرون: قدم جعفر بن أبي طالب من الحبشة هو وأصحابه ومعهم سبعون رجلاً بعثهم النجاشي وفداً إلى رسول الله ﷺ عليهم ثياب الصوف، اثنان وستون من الحبشة، وثمانية من أهل الشام، وهم بحيرا الراهب وإبرهليه وإدريس وأشرف وتمام وقثم وذر وأيمن، فقرأ عليهم رسول الله ﷺ سورة يس إلى آخرها، فبكوا حين سمعوا القرآن وآمنوا وقالوا: ما أشبه هذا بما كان ينزل على عيسى، فأنزل الله تعالى فيهم هذه الآيات.
أخبرنا أحمد بن محمد العدل قال: حدثنا زاهد بن أحمد قال: حدثنا أبو القاسم قال: حدثنا البغوي قال: حدثنا علي بن الجعد قال: حدثنا شريك بن سالم، عن سعيد بن جبير في قوله تعالى (ذَلِكَ بِأَنَّ مِنهُم قِسّيسينَ وَرُهباناً) قال: بعث النجاشي إلى رسول الله ﷺ من خيار أصحابه ثلاثين رجلاً، فقرأ عليهم رسول الله ﷺ سورة يس فبكوا، فنزلت هذه الآية.


الصفحة التالية
Icon