وما بعد هذه الآية كلها للمنافقين إلى قوله تعالى (إِنَّما الصَدَقاتُ لِلفُقراءِ) الآية.
قوله تعالى (وَمِنهُم مَن يَلمِزُكَ في الصَدَقاتِ) الآية. أخبرنا أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي قال: حدثنا عبد الله بن حامد قال: أخبرنا أحمد بن محمد بن الحسن الحافظ قال: حدثنا محمد بن يحيى قال: حدثنا عبد الرزاق قال: حدثنا معمر عن الزهري، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن أبي سعيد الخدري قال: بينا رسول الله ﷺ يقسم قسماً إذ جاءه ابن ذي الخويصرة التميمي وهو حرقوص بن زهير أصل الخوارج، فقال أعدل فينا يا رسول الله، فقال: ويلك ومن يعدل إذا لم أعدل؟ فنزلت (وَمِنهُم مَن يَلمِزُكَ في الصَدَقاتِ) الآية. رواه البخاري عن عبيد بن محمد، عن هشام، عن معمر.
وقال الكلبي: نزلت في المؤلفة قلوبهم وهم المنافقون، قال رجل يقال له أبو الخواصر للنبي عليه الصلاة والسلام: لم تقسم بالسوية، فأنزل الله تعالى (وَمِنهُم مَن يَلمِزُكَ في الصَدَقاتِ).
قوله تعالى (وَمِنهُم الَّذينَ يُؤذونَ النَبِيَّ وَيَقولونَ هُوَ أُذُنٌ) الآية. نزلت في جماعة من المنافقين كانوا يؤذون الرسول ويقولون ما لا ينبغي، قال بعضهم: لا تفعلوا فإنا نخاف أن يبلغه ما تقولون فيقع بنا فقال الجلاس بن سويد نقول ما شئنا ثم نأتيه فيصدقنا بما نقول، فإنما محمد أذن سامعة، فأنزل الله تعالى هذه الآية. وقال محمد بن إسحاق بن يسار وغيره، نزلت في رجل من المنافقين يقال نبتل بن الحارث، وكان رجلاً أذلم أحمر العينين أسفع الخدين مشوه الخلقة، وهو الذي قال النبي صلى الله عليه وسلم: من أراد أن ينظر الشيطان فلينظر إلى نبتل بن الحارث، وكان ينم حديث النبي ﷺ إلى المنافقين، فقيل له: لا تفعل، فقال: إنما محمد أذن من حدثه شيئاً صدقه نقول ما شئنا، ثم نأتيه فنحلف له فيصدقنا، فأنزل الله تعالى هذه الآية.
وقال السدي: اجتمع ناس من المنافقين فيهم جلاس بن سويد بن الصامت ووديعة بن ثابت فأرادوا أن يقعوا في النبي ﷺ وعندهم غلام من الأنصار يدعى عامر بن قيس فحقروه، فتكلموا وقالوا: لئن كان ما يقوله محمداً حقاً لنحن أشر من الحمير، ثم أتى النبي ﷺ فأخبره، فدعاهم فسألهم، فحلفوا أن عامراً كاذب وحلف عامر أنهم كذبة، وقال: اللهم لا تفرق بيننا حتى تبين صدق الصادق من كذب الكاذب، فنزلت فيهم (وَمِنهُم الَّذينَ يُؤذونَ النَبِيَّ) ونزل قوله (يَحلِفونَ بِاللهِ لَكُم لِيُرضوكُم).
قوله تعالى (يَحذَرُ المُنافِقونَ أَن تُنَزَّلَ عَلَيهِم سُورةً تُنَبِّئُهُم) الآية. قال السدي: قال بعض المنافقين: والله لوددت أني قدمت فجلدت مائة جلدة ولا ينزل فينا شيء يفضحنا، فأنزل الله هذه الآية. وقال مجاهد: كانوا يقولون القول بينهم ثم يقولون عسى الله أن لا يفشي علينا سرنا.
قوله تعالى (وَلَئِن سأَلتَهُم لَيَقولُنَّ إِنَّما كُنّا نَخوضُ وَنَلعَبُ) قال قتادة: بينما رسول الله ﷺ في غزوة تبوك وبين يديه ناس من المنافقين إذ قالوا: يرجو هذا الرجل أن يفتح قصور الشام وحصونها هيهات له ذلك، فأطلع الله نبيه على ذلك، فقال نبي الله: اجلسوا على الركب فأتاهم فقال: قلتم كذا وكذا، فقالوا: يا رسول الله إنما كنا نخوض ونلعب، فأنزل الله تعالى هذه الآية.
وقال زيد بن أسلم ومحمد بن وهب: قال رجل من المنافقين في غزوة تبوك: ما رأيت مثل قرائنا هؤلاء أرغب بطوناً ولا أكذب ألسناً ولا أجبن عند اللقاء، يعني رسول الله ﷺ وأصحابه، فقال عوف بن مالك: كذبت ولكنك منافق لأخبرن رسول الله ﷺ فذهب عوف ليخبره، فوجد القرآن قد سبقه، فجاء ذلك الرجل إلى رسول الله ﷺ وقد ارتحل وركب ناقته، فقال: يا رسول الله إنما كنا نخوض ونلعب ونتحدث بحديث الركب نقطع به عنا الطريق.