وقال مقاتل: قالت اليهود: كان جبريل عدونا أمر أن يجعل النبوة فينا فجعلها في غيرنا، فأنزل الله هذه الآية.
قوله (وَلَقَد أَنزَلنا إِليكَ آياتٍ بَيِّناتٍ) قال ابن عباس: هذا جواب لابن صوريا حيث قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: يا محمد ما جئتنا بشيء نعرفه، وما أنزل عليك من آية بينة فنتبعك بها، فأنزل الله هذه الآية.
قوله (وَاِتَّبَعوا ما تَتلو الشَياطينُ عَلى مُلكِ سُلَيمانَ) الآية. أخبرني محمد بن عبد العزيز القنطري قال: أخبرنا أبو الفضل الحدادي قال: أخبرنا أبو يزيد الخالدي قال: أخبرنا إسحاق بن إبراهيم قال: حدثنا جدي قال: أخبرنا حصين بن عبد الرحمن عن عمران بن الحارث قال: بينما نحن عند ابن عباس إذ قال: إن الشياطين كانوا يسترقون السمع من السماء، فيجيء أحدهم بكلمة حق فإذا جرب من أحدهم الصدق كذب معها سبعين كذبة فيشربها قلوب الناس، فاطلع على ذلك سليمان، فأخذها فدفنها تحت الكرسي، فلما مات سليمان قام شيطان الطريق فقال: ألا أدلكم على كنز سليمان المنيع الذي لا كنز له مثله قالوا: نعم، قال: تحت الكرسي، فأخرجوه، فقالوا: هذا سحر سليمان سحر به الأمم، فأنزل الله عذر سليمان (وَاَتَّبَعوا ما تَتلو الشَياطينُ عَلى مُلكِ سُلَيمانَ، وَما كَفَرَ سُليمانُ).
وقال الكلبي: إن الشياطين كتبوا السحر والنارنجيات على لسان آصف: هذا ما علم آصف بن برخيا سليمان الملك، ثم دفنوها تحت مصلاه حين نزع الله ملكه، ولم يشعر بذلك سليمان، ولما مات سليمان استخرجوه من تحت مصلاه، وقالوا للناس: إنما ملككم سليمان بهذا فتعلموه، فلما علم علماء بني إسرائيل قالوا: معاذ الله أن يكون هذا علم سليمان، وأما السفلة فقالوا: هذا علم سليمان، وأقبلوا على تعلمه، ورفضوا كتب أنبيائهم، ففشت الملامة لسليمان، فلم تزل هذه حالهم حتى بعث الله محمداً صلى الله عليه وسلم، وأنزل الله عذر سليمان على لسانه ونزل براءته مما رمي به فقال (وَاَتَّبَعوا ما تَتلو الشَياطينُ) الآية.
أخبرنا سعيد بن العياش القرشي كتابة أن الفضل بن زكرياء، حدثهم، عن أحمد بن نجدة، عن سعيد بن منصور، عن عثمان بن بشير عن حصيفة قال: كان سليمان إذا نبتت الشجرة قال: لأي داء أنت؟ فتقول: لكذا وكذا، فلما نبتت شجرة الخروبة قال: لأي شيء أنت؟ قالت: لخراب بيتك، قال: تخربينه؟ قالت: نعم، قال: بئس الشجرة أنت، فلم يلبث أن توفي، فجعل الناس يقولون في مرضاهم: لو كان مثل سليمان، فأخذت الشياطين فكتبوا كتاباً وجعلوه في مصلى سليمان وقالوا: نحن ندلكم على ما كان سليمان يداوي به، فانطلقوا فاستخرجوا ذلك فإذا فيه سحر ورقي، فأنزل الله تعالى (وَاَتَّبَعوا ما تَتلو الشَياطينُ عَلى مُلكِ سُلَيمانَ) إلى قوله (فَلا تَكفُر) قال السري: إن الناس في زمن سليمان كتبوا السحر فاشتغلوا بتعلمه، فأخذ سليمان تلك الكتب فدفنها تحت كرسيه ونهاهم عن ذلك، ولما مات سليمان وذهب به كانوا يعرفون دفن الكتب، فتمثل شيطان على صورة إنسان فأتى نفراً من بني إسرائيل وقال: هل أدلكم على كنز لا تأكلونه أبداً؟ قالوا نعم، قال: فاحفروا تحت الكرسي، فحفروا فوجدوا تلك الكتب، فلما أخرجوها قال الشيطان: إن سليمان ضبط الجن والإنس والشياطين والطيور بهذا، فأخذ بنو إسرائيل تلك الكتب، فلذلك أكثر ما يوجد السحر في اليهود، فبرأ الله عز وجل سليمان من ذلك، وأنزل هذه الآية.
قوله تعالى (يَا أَيَّها الَّذينَ آَمَنوا لا تَقولوا راعِنا) الآية. قال ابن عباس في رواية عطاء: وذلك أن العرب كانوا يتكلمون بها، فلما سمعتهم اليهود يقولونها للنبي ﷺ أعجبهم ذلك، وكان راعنا في كلام اليهود سباً قبيحاً، فقالوا: إنا كنا نسب محمداً سراً، فالآن أعلنوا السب لمحمد، فإنه من كلامه، فكانوا يأتون نبي الله ﷺ فيقولون: يا محمد راعنا ويضحكون، ففطن بها رجل من الأنصار وهو سعد بن عبادة، وكان عارفاً بلغة اليهود وقال: يا أعداء الله، عليكم لعنة الله، والذي نفس محمد بيده لئن سمعتها من رجل منكم لأضربن عنقه، فقالوا: ألستم تقولونها؟ فأنزل الله تعالى (ياأَيُّها الَّذينَ آَمَنوا لا تَقولوا راعِنا) الآية.


الصفحة التالية
Icon