قوله تعالى (الَّذينَ يَلمِزونَ المُطَّوِّعينَ مِنَ المُؤمِنينَ في الصَدَقاتِ) الآية. أخبرنا سعيد بن محمد بن أحمد بن جعفر، أخبرنا أبو علي الفقيه، أخبرنا أبو علي محمد بن سليمان المالكي قال: حدثنا أبو موسى محمد بن المثنى، حدثنا أبو النعمان الحكم بن عبد الله العجلي، حدثنا شعبة عن سليمان، عن أبي وائل، عن ابن مسعود قال: لما نزلت آية الصدقة جاء رجل فتصدق بصاع، فقالوا: إن الله لغني عن صاع هذا، فنزلت (الَّذينَ يَلمِزونَ المُطَّوِّعينَ مِنَ المُؤمِنينَ في الصَدَقاتِ وَالَّذينَ لا يَجِدونَ إِلّا جُهدَهُم) رواه البخاري عن أبي قدامة عبيد الله بن سعيد، عن أبي النعمان. وقال قتادة وغيره: حث رسول الله ﷺ على الصدقة، فجاء عبد الرحمن بن عوف بأربعة آلاف درهم وقال: يا رسول الله مالي ثمانية آلاف جئتك بنصفها فاجعلها في سبيل الله، وأمسكت نصفها لعيالي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بارك الله لك فيما أعطيت وفيما أمسكت، فبارك الله في مال عبد الرحمن حتى أنه خلف امرأتين يوم مات، فبلغ ثمن ماله لهما مائة وستين ألف درهم، وتصدق يومئذ عاصم بن عدي بن العجلان بمائة وسق من تمر، وجاء أبو عقيل الأنصاري بصاع من تمر وقال: يا رسول الله بت ليلتي أجر بالجرير أحبلاً حتى نلت صاعين من تمر، فأمسكت أحدهما لأهلي وأتيتك بالآخر، فأمره رسول الله ﷺ أن ينثره في الصدقات، فلمزهم المنافقون وقالوا: ما أعطى عبد الرحمن وعاصم إلا رياء، وإن كان الله ورسوله غنيين عن صاع أبي عقيل، ولكنه أحب أن يزكي نفسه، فأنزل الله تعالى هذه الآية.
قوله تعالى (وَلا تُصَلِّ عَلى أَحدٍ مِّنهُم مّاتَ أَبَداً). حدثنا إسماعيل بن عبد الرحمن بن أحمد الواعظ إملاء، أخبرنا يوسف بن عاصم الرازي، حدثنا العباس بن الوليد النرسي، حدثنا يحيى بن سعيد القطان، حدثنا عبد الله بن عمر، عن نافع عن ابن عمر قال: لما توفي عبد الله بن أبي جاء ابنه إلى رسول الله صلوات الله عليه وقال: أعطني قميصك حتى أكفنه فيه وصل عليه واستغفر له، فأعطاه قميصه ثم قال: آذني حتى أصلي عليه، فآذنه، فلما أراد أن يصلي عليه جذبه عمر بن الخطاب وقال: أليس قد نهاك الله أن تصلي على المنافقين؟ فقال: أنا بين خيرتين أستغفر لهم أو لا أستغفر، ثم نزلت عليه هذه الآية (وَلا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِّنهُم مّات أَبَداً وَلا تُقِم عَلى قَبرِهِ) فترك الصلاة عليهم رواه البخاري عن مسدد، ورواه مسلم عن أبي قدامة عبيد الله بن أبي سعيد، كلاهما عن يحيى بن سعيد.
أخبرنا إسماعيل بن إبراهيم النصراباذي، أخبرنا أبو بكر بن مالك القطيعي، حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، حدثني أبي عن محمد بن إسحاق، حدثني الزهري، عن عبد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، عن ابن عباس قال: سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: لما توفي عبد الله بن أبي دعي رسول الله ﷺ للصلاة عليه، فقام إليه، فلما وقف عليه يريد الصلاة عليه تحولت حتى قمت في صدره فقلت: يا رسول الله أعلى عدو الله عبد الله بن أبي القائل يوم كذا وكذا كذا، أعدد أيامه، ورسول الله ﷺ يبتسم، حتى إذا كثرت عليه قال: أخر عني يا عمر إني خيرت فاخترت، قد قيل لي (اِستَغفِر لَهُم أَو لا تَستَغفِر لَهُم إِن تَستَغفِر لَهُم سَبعينَ مَرَّةً فَلَن يَغفِرَ اللهُ لَهُم) لو علمت أني إن زدت على السبعين غفر له لزدت قال: صلى ﷺ ومشى معه، فقام على قبره حتى فرغ منه قال: فعجبت لي وجراءتي على رسول الله صلى الله عليه وسلم، والله ورسوله أعلم. قال: فوالله ما كان إلا يسيراً حتى نزل (وَلا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِّنهُم مّاتَ أَبَداً وَلا تُقِم عَلى قَبرِهِ) الآية. فما صلى رسول الله ﷺ بعده على منافق، ولا قام على قبره حتى قبضه الله تعالى. قال المفسرون: وكلم رسول الله ﷺ فيما فعل بعبد الله بن أبي، فقال: وما يغني عنه قميصي وصلاتي من الله، والله إني كنت أرجو أن يسلم به ألف من قومه.


الصفحة التالية
Icon