ومنها: أن الله عز وجل دعا الخلق على العموم إلى الإعتصام بالقرآن، والاتباع له وتدبره والتذكر به في نص التنزيل، فقال عز من قائل: (وَاعتَصِموا بِحَبلِ اللَهِ جَميعاً وَلا تَفَرَقوا) ومعناه: التمسك بالقرآن والعمل بما فيه، وبيان ذلك في قوله عليه السلام: (إن هذا القرآن سببه طرفه بيد الله عز وجل، وطرفه بأيديكم فتمسكوا به ما استطعتم). فقال سبحانه عز وجل: (وَهَذا كِِتابٌ أَنزَلناهُ مُبارَكٌ فاتَّبِِعُوهُ لَعَلَكُم تُرحَمون) وقال تعالى: (اِتَّبِعوا ما أُنزِلَ إِلَيكُم مِن رَّبِّكُم) وقال عز وجل: (فَمَن اتَّبَعَ هُداىَ فَلاَ يَضِلُّ وَلا يَشقَى) أي: فلا يضل في الدنيا عن طريق الحق ولا يشقى في الآخرة في النار، وقال سبحانه: (أََفَلا يَتَدَبَّرونَ القُراءَنَ وَلو كانَ مِن عِندِ غَيرِ اللَهِ لَوَجَدوا فيهِ اختِلافاً كَثَيراً) وقال جل جلاله: (أَفَلاَ يَتَدَبَّرونَ القُرءانَ أَم عَلى قُلوبٍ أَقفالُها) فالاعتصام به ما مضى من التمسك بالقرآن واتباعه: العمل بما فيه، وتدبره: التفكر فيما أريد به، والتذكر: الاتعاظ بما فيه، فلما طولبو بما ذكرنا لزم حفظه على الأعيان إما وجوبا، وإما ندبا إلا عن عجر ظاهر، وذلك لأنّ المخاطبين به هم العرب الأمة الأمية، والمنزل عليه هو النبي الأمي صلى الله عليه وسلم، فدل على ان المراد به الحفظ لئلا ينسى ولحرصه عليه، فنهي عنه بقوله تعالى: (وَلا تَعجَل بِالقُرءانِ مِن قَبلِ أَن يُقضى إِليكَ وَحيُهُ)، وبقوله عز وجل: (لا تُحَرِّك بِهِ لِسانَكَ لِتَعجَلَ بِهِ) وأمر بالترتيل وأمن مما كان يصده عن ذلك، وهو خشية النسيان والتفلت منه، بقوله تعالى: (سُنُقرئُكَ فَلا تَنسى) علمنا أن الأمة لزم حفظه مع الإمكان وجوبا، إلا عن عذر بين، وإلا فقد كان لهم في رسول الله أسوة حسنة استحبابا وندبا.