وكذلك: (لَقَد كَفَرَ الَّذَينَ قالوا إِنّ اللَهَ ثالِثُ ثَلاثَة) ثبت ألف " ثالث " لأنهم جعلوه أحد ثلاثة مفصلة فثبت الألف علامة لإظهارهم التفصيل في " الإله " تعالى الله عن قولهم. وحذف ألف (ثَلاثَة) لأنهإسم العدد الواحد من حيث هو " جملة " واحدة وذلك فيه أجلى من التفصيل.
كذلك: (وَما مِن إلهٍ إِلاّ إِلَهٌ واحِد) حذف الألف من إله وثبت في الواحد " الصفة " لأنه إله في ملكوته تعالى عن أن تعرف صفته بإحاطة الإدراك واحد في ملكه تنزه بوحدة أسمائه عن الإعتضاد و " الإشراك " ليس لسواه وجود إلا منه (الَّذي أَعطى كُلّ شيءٍ خَلَقَهُ ثُمّ هَدى). هذا من جهة إدراكنا.
وأما من جهة ما هي عليه الصفة في نفسها فلا ندرك ذلك بل نسلم علمه إلى الله. فحذف الألف مثل (إِلهاً واحِداً وَنَحنُ لَهُ مُسلِمونَ).
وكذلك ألف " الإثنين " : إن كانت التثنية اللازمة ظاهرة يثبت الألف مثل: (قالا)، و (إِن تَتُوبا) و (لا يَبغيان) و (يَسجُدان)، و (اِثنانَ) و (يَداهُ).
وإن كانت غير ظاهرة في العلم حذف مثل: (قالَ رَجُلان) و (تُكَذِبانِ).
وكذلك سقط " الألف " الزائدة لتطويل هاء التنبيه في النداء في ثلاثة أحرف: (آَيُها المُؤمِنونَ)، (أَيُّهَ الساحِرُ) (أَيُها الثَقَلان) إشارة إلى معنى الإنتهاء إلى غاية ليس وراءها في الفهم رتبة يمتد النداء إليها و " تنبيها " على الإقتصار والإقتصاد من حالهم والرجوع إلى ما ينبغي. فقوله تعالى: (وَتُوبوا إِلى اللَهَ جَميعاً) يدل على أنهم كل المؤمنين على العموم والإستغراق فيهم.
وقوله تعالى حكاية عن قول فرعون: (إِنّ هَذا لَساحِرٌ عَلَيم).
وقول فرعون أيضا: (إِنّهُ لَكَبيرُكُمُ الَّذي عَلّمَكُمُ السِحر) يدل على عظم علمه عندهم ليس فوقه أحد.
وقول الله تعالى: (سَنَفرُغُ لَكُم أَيُها الثَقَلان).
فإقامة الوصف مقام الموصوف يدل على عظم الصفة الملكية فإنها تتضمن جميع الصفات الملكوتية والجبروتية.
فليس بعدها رتبة أظهر في الفهم و على ما ينبغي لهم " من الرجوع " إلى اعتبار آلاء الله في بيان النعم ليشكروا وبيان النقم ليحذروا.
وكذلك حذفت الألف التي جاءت لمد الصوت بالحرف في النداء أو الإشارة مثل: (يا قَوم) (يا عباد) لأنها زائدة التوصيل بين المرتبتين. و١لك أمر باطن ليس بصفة محسوسة في الوجود.

فصل في الألف المنقلبة عن الياء أو الواو


اعلم أن هذه الألف تكتب في مواضع على موافقة اللفظ وتكتب في مواضع على موافقة الأصل و " تحذف في مواضع.
فما كتبت بالألف على اللفظ في أي كلمة كان فإنّه يدل على أن إستواء قسمي الوجود في معنى تلك الكلمة ظاهر الفهم في الإدراك.
وما كتب بالواو على الأصل في أي كلمة كان فإنه يدل على أن اعتبار المعنى من جهة قسم الملك من الوجه أظهر في الإدراك من استواء قسمي الوجود في ذلك المعنى.
وما كتب بالياء على الأصل فإنه يدل على أن اعتبار المعنى من جهة قسم الملكوت من الوجود أظهر في الإدراك من استواء قسمي الوجود في ذلك المعنىز وما حذف ولم يكتب فلخفاء أصله وتفصيله في الإدراك والله أعلم.
فمن ذلك: ثمانية أحرف كتبت بالواو على الأصل حيث تكون مفردة عامة. فإن اختصت بإضافة أو خصوص معنى كتبت على اللفظ. وهذه الثمانية أحرف هي جوامع قواعد الشريعة ومفاتح أبواب العلم وضروب الفقه.
فأولها: " الصلاة " وهي طهارة البدن الباطن والظاهر وهي قاعدة " الدين " ومفتاح ذكر رب العالمين. قال الله تعالى: (أَقِمِ الصَلاةَ لِذكري) فتشتمل على أبواب الطهارات والتقديس وأنواع النزاهات والتسبيح وهي جامعة لأصول وفروع " وأحكام " مرتبطة بالموجودات وبالأحياء والأموات.
فاعتبار الصلاة فيه اعتبار " جميع " أجزاء " العالم " فالصلاة كبيرة (وَلَذِكرُ اللَهِ أَكبَر).
والحرف الثاني: (الزَكاة) وهي النماء والبركة الباطنة والظاهرة. وهي قاعدة النجاح، ومفتاح الأرباح. قال الله تعالى: (مَن ذا الَّذي يُقرِضُ اللَهَ قَرضا حَسَنا فَيُضاعِفُهُ لَهُ وَلَهُ أَجرٌ كَريم) فتشتمل على أبواب الحلال وأنواع الطيبات وهي أصل في الأموال جامع لوجوه المكاسب والاستفادات بالحرث والتجارة وغيرهما ولأقسام الصدقات والمغانم وغير ذلك.


الصفحة التالية
Icon