وكذلك: (وَإِن ما نُريَنّكَ بَعضَ الذي نَعِدُهُم) في سورة الرعد، فرد محجوز ظهر منه حرف الشرط في الخط، لأن الجواب " المترتب " عليه بالفاء ظاهر في مواطن الدنيا، وهو البلاغ فهذا الحرف على غير حال الحرف الآخر: (فَإِمّا نُرينّكَ) فإنه اخفي فيه حرف الشرد في الخط لأن الجواب المترتب عليه بالفاء خفي عنا. وهو الرجوع إلى الله تعالى فهذا وجه.
وله وجه آخر في الاعتبار وهو أن القضية الأولى متصلة من الشرط وجوابه. وانقسم الجواب إلى قسمين.
أحدهما المترتب بالفاء وهو البلاغ.
والثاني المعطوف عليه وهو الحساب.
وأحدهما في الدنيا والآخرة في الآخرة.
والأول ظهر لنا والثاني خفي عنا.
وهذا الإنقسام صحيح في الوجود فقد انفصلت هذه الشرطية إلى شرطيتين لانفصال جوابهما إلى قسمين متغايرين، ففصل حرف الشرط علامة لذلك.
وإذا انفصل لزم كتبه على الوقف. والشرطية الأخرى لا تنفصل بل هي واحدة لاتحاد جوابها فاتصل حرف الشرط علامة لذلك. وهاتان الشرطيتان الجواب فيهما هو من باب الوجود فاعلمه.
وكذلك: (فَإِن لَم يَستَجيبوا لَكَ) في القصص ثابت النون.
وفي هود: (فإِلَّم يَستَجيبوا لَكُم) فرد بغير نون و أظهر حرف الشرط لأن جوابه المرتب عليه بالفاء هو علم متعلق بشيء بملكي ظاهر سفلي وهو اتباعهم أهواءهم. وأخفي في الثاني لأن جوابه المرتب عليه بالفاء هو علم متعلق بشيء ملكوتي خفي علوي وهو إنزال القرآن بالعلم والتوحيد.
فهذا وجه مثل الوجه الأول في الشرطيتين المتقدمتين.
إلا أن هاتين الشرطيتين الجواب فيهما هو من باب الإدراك والعلم.
وله وجه آخر في الاعتبار مثل الوجه الثاني المتقدم.
وهو أن جواب الشرطية الأولى من هاتين ينفصل في الوجود بقسمين: أحدهما اتباعهم أهواءهم، وهو جزئي له علم يخصه.
والثاني ما عطف على القسم الأول وهو: (وَمَن أَضَلُ مِِمَن اِتّبع هواهُ).
وهذا كلي وله علم يخصه فانفصل العلم بهما في الوجود إلى علمين. فإن الجزئي إذا حصل في الوجود حصل الكلي في ضمنه في الوجود، وانقسم علمنا بهما في الوجود إلى علمين صحيحين لأن علمنا " تابع " لوجود الموجودات على ما هي عليه في الوجود. فانفصل حرف الشرط. وإنما لزم دخول المعطوف في جواب هذه الشرطية لأنه نفي اشتمل عليه العلم جاء على لفظ الإستفهام وهذا الأسلوب من البيان إنما يقع في خطاب الله تعالى على معنى أن المخاطب عنده علم ذلك المنفي حاصل يستفهم عنه نفسه يخبره به إذ قد وضعه الله عندها. وجاء عليه كثير من الآيات مثل قوله تعالى: (وَمَن أصدَقُ مِنَ اللَهِ حَديثا) ويكون في ال اثبات كما يكون في النفي. قال تعالى: (هَل أَتى عَلى الإنسانِ حينٌ مِنَ الدَهرِ لَم يَكُن شيئا مَذكورا) و (فَهَل أَنتُم مُسلِمون) ومعنى ذلك أنه قد حصل لكم العلم بذلك الذي تجدونه عندكم إذا استفهمتكم بأنفسكم عنه. فإن الرب لا يستفهم خلقه عن شيء شيء جهله وإنما يستفهم بفهم يقررهم ويذكرهم أنهم قد علموا حق ذلك الشيء.
فهذا أسلوب بديع انفرد به القرآن. وهو في كلام البشر يختلف. فاعلم.
وجواب الشرطية الثانية إذا اعتبر في قوله تعالى: (وإِن لا إلهَ إِلا هو) معطوف على: (إِنّما أُنزِلَ بِعِلمِ اللَه) فيكون العلم في هذا الاعتبار يتعلق بمعلومين. لكن انفصاله بقسمين إن توهم فهو بخيال شعري من قبل النفس لم يحصل لها من جهة عين المعلوم في الوجود. لأنا لم ندرك حقيقة في الوجود إلا إيمانا وسلمنا لله علمه. فعلمنا من جهة الوجود علم واحد إسلامي بالضرورة حصل لنا الإيمان به من جهة اللزوم عن الأدلة والآثار كما ختم سبحانه الآية به. قال تعالى (فَهَل أَنتُم مُسلِمون) فافهم. وجل بسرك السفير في موارد معاني التفسير. (وَما يَستوي الأَعمى وَالبَصير).
وكذلك: (أَن لَن) كله مفصول إلا حرفين: (أَلَن نَجعَلَ لَكُم مَوعِداً) في الكهف. (أَلَنن نَجمَع عِظامَه) في القيامة. سقط النون منهما في الخط علامة على أن ما زعموا وحسبوا هو باطل في الوجود وحكم بما ليس بمعلوم نسبه للحي القيوم. فأدغم حرف توكيدهم الكاذب في حرف النفي السالب. فهو على خلاف حال قوله تعالى: (زَعَمَ الَّذَينَ كَفَروا أَن لَن يُبعَثوا).
فهؤلاء لم ينسبوا ذلك الفاعل إذا ركب الفعل مما لم يسم فاعله وأقيموا فيه مقام الفاعل.