مبادئ الأخوة الإيمانية
إن المتتبع الموضوع الأخوة يجد أنها قامت على مبدئين: مبدأ تكوين هذا الإنسان من عنصري: المادة والروح، فالمادة هي هذا الهيكل العظمي، والهيكل العظمي كسي لحماً، فأصبح عظاماً ولحماً ودماً، والعنصر الثاني: ﴿ فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي ﴾ [الحجر: ٢٩]، فالعنصر الثاني هو: الروح، فنجد في التشريع الإسلامي في هذا الموضوع أن الإسلام راعى الجانبين؛ فمن جانب المادة والهيكل الإنساني منشؤه من التراب، قال الله: ( إِنِّي خَالِقٌ بَشَراً مِنْ طِينٍ } [ص: ٧١]، والطين معناه ماء وتراب معجون.
هذا الهيكل المادي -كما يقولون: وكل عنصر يميل إلى جنسه- يميل إلى ما وجد منه ويتلذذ أو يحيا ويعتز بأصله الذي يرجع إليه، ولذا فإن هذا الجنس راجع إلى الأرض، فملذات المطعم، والمشرب، والجنس كلها راجعة إلى هذا العنصر الذي منه هذا الهيكل.
والروح من أمر ربي، عالم علوي تستمتع بالأمور الروحانية بالذكر بالتلاوة بالصلاة بأنواع القرب إلى الله، وهكذا وجدنا في الإسلام مراعاة الجانبين، أما جانب المادة فسيأتي نصه في السورة الكريمة: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ﴾ [الحجرات: ١٣]، ثم جاء العنصر الثاني: ( إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ } [الحجرات: ١٣]، ثم جاء الإسلام فأزال الفوارق العنصرية والعرقية من عجم وفرس وروم، وجعل الجميع يرجع إلى مبدأ أساسي وهما الشيخ الكبير آدم والأم الكبيرة وحواء، فردهم إلى الأصل الذي هو المادي، فحرم الكبر والاستهزاء والسخرية، وردهم إلى الأصل الذي هو لاثنين فلا فخر لأحدهما على الآخر، فإذا كان كل منهما من ذكر وأنثى، فما هو الفضل لك حتى تفخر علي؟ وما النقص عندي حتى تستهزئ بي، فالأصل الذي جئت منه أنا معك فيه سواء؟ ولذا يذكر المفسرون قول علي رضي الله تعالى عنه عند هذه الآية: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى ﴾ [الحجرات: ١٣]، يقول: الناس من جهة التمثيل أكفاء أبوهم آدم والأم حواء فإن يكن لهم من أصلهم نسب يفاخرون به فالطين والماء


الصفحة التالية
Icon