تفاضل الناس عند الله تعالى بالتقوى
باسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله، ﷺ وعلى آله وصحبه ومن والاه.
وبعد: ما زالت سورة الحجرات تنتقل في آداب الجماعة: ﴿ وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا ﴾ [الحجرات: ٩]، ثم بيّن الدافع والواجب لهذه المسئولية فقال: ﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ ﴾ [الحجرات: ١٠]، ثم نهى عن بواعث القتال، أو نهى عن مخلفات القتال فقال: ﴿ لا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ ﴾ [الحجرات: ١١]، قد تسخر الطائفة القوية من الضعيفة، أو الأغنياء من الفقراء.
ثم بعد ذلك ذكر الأدب في معاملات الناس بالألفاظ، واحترام الشخصية بعدم اللمز ولا الغمز، ثم اجتناب الظنون، ثم النهي عن التجسس، ثم النهي عن الغيبة وانتهى من هذا إلى القاعدة التي يرد إليها عنصر التفاخر أو التعالي أو الافتخار بين الناس، والأصل في ذلك أن يفتخر بنسبه وبحسبه، ولكن تلك المفاخر النسبية لا مكان لها؛ لأن أصل خلقة الجميع من ذكر وأنثى، ثم إن كان هناك ولابد من تفاخر فالأصل سواء، كما جاء عن علي رضي الله تعالى عنه: الناس من جهة التمثيل أكفاء أبوهم آدم والأم حواء فإن يكن لهم من أصلهم نسب يفاخرون به فالطين والماء لماذا تتفاخر على أخيك وأنتما مشتركان في أصل الإيجاد، وهو: الماء والطين؟! إذاً: لا يتفاضل على نفسه إلا بصفات أخرى: تلك الصفات تكون خصوصية في الأفراد يختصهم الله بها، كما جاء في قول الشاعر: فإن تفق الأنام وأنت منهم فإن المسك بعض دم الغزال فالدم من حيث هو جنس، ولكن المسك هو جزء من دم الغزال، انعقد في حلمته أو في الأنبوب الذي يتدلى عند حلقه، فينعقد فيه دم الغزال ويتحول إلى مسك، فهو بعض الدم ولكن فاقه، وهذا في امتداح الممدوح، وأصدق ما يكون على النبي صلى الله عليه وسلم.
كم من أب علا بابن ذرا حسباً كما علت برسول الله عدنان كم من أب افتخر وارتفعت مكانته بابنه.
أي: أن الأصل يفتخر بالفرع على خلاف العادة، والعادة أن الفرع يفتخر بالأصل، ولكن في شخصية رسول الله ﷺ انعكست المسألة؛ فيفتخر الآباء بالأبناء، فتفتخر عدنان كلها بما فيها من القبائل والفخوذ والشعوب بذلك.