مراعاة الشرع لعادات الناس
أيها الإخوة: إن قضية التمسك بنسب القبائل قد تشبعت بها طوائف، وإن محاربتها أو انتزاعها بالقوة لا يأتي بنتيجة، وأذكر ونحن في الدراسة: تحمس زميل لنا لهذه الآية، فجاءه زميل له وافد إلى البلاد وخطب أخته، وهي في قرى نجد، فزوجه إياها، وذهب به إلى قريته، وأعلم أهله بأن هذا زوج أخته، فاعترضوا عليه، فقال: لا، ﴿ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ﴾ [الحجرات: ١٣]، فعلم بنو عمه وجماعته بالأمر فاجتمعوا بالسلاح عند باب البيت، وقالوا: إما أن تخرجه وإلا قتلناه، وكانت المسألة شديدة الخطورة، فاضطر أن يخرجه حفاظاً على نفسه، وقال له: أنا وأنتم أمام الشيخ محمد بن إبراهيم، وهو المفتي آنذاك رحمه الله تعالى، فما أفتى به على العين والرأس.
ثم ذهبوا إلى الشيخ محمد بن إبراهيم، فقال له: إن ما قمت وفعلته حق فيما بينك وبين الله، وهذا شرع الله، والرسول قال لبني فلان: زوجوا فلاناً -وكان حجاماً- فأبوا أن يزوجوه، والرسول ﷺ زوج زينب ابنة عمته وهي في الذروة من النسب إلى أسامة، وأبوه كان مولى، وأعتق فتبناه إلى غير ذلك، ثم انتهى الأمر إلى الطلاق، لكن ماذا تفعل في قومك وهم مستعدون أن يضحوا بك، وبضيفك؟ وهل أنت مفرط في صديقك، وهل ترضى أن يقع له ذلك؟ كما أن الحكومة لا تستطيع أن تمنعهم، ولا تستطيع أن تحميك ولا أن تحمي زميلك من هذا، فهذه الأمور ليس بالفرض اللازم الواجب أن يتزوج هذا الإنسان بتلك الفتاة، وممكن أن يتزوج غيرها، فدع عنك الفتنة وإثارتها فيما بينك وبين قومك وأهلك.
فحينئذٍ طلق تلك الفتاة، وانتهت المشكلة ورجع كل إلى حاله.
نذكر هذا يا إخوان؛ لأنه ربما أن تقع بعض الفتن أو الاعتراضات أو الشقاق بسبب ذلك، وطلبة العلم يتنازعون ويدعون بأن هذا هو الأصل، ويجب أن تلغى كل الاعتبارات المغايرة لذلك.
نقول: لا بأس، هو مقصد ونقول: هو مما تحكمت فيه العادات، لكن لا نستطيع أن نغفلها أو أن نميتها، أو أن نمنعها.
إذاً: ينبغي النظر في النتائج، كما نظر النبي ﷺ في النتائج لو أنه هدم الكعبة وبناها على قواعد إبراهيم، وكما نظر مالك رحمه الله فيما لو أذن للرشيد أن يعيد البناء على ما حدث به عن رسول الله.
هذا الذي أحببت أن أنبه عليه في مفهوم هذه الآية فيما يتمسك به البعض في قضية معينة.
أما بقية القضايا والعلاقات فكما قال سبحانه: ﴿ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ﴾ [الحجرات: ١٣]، عليم بمن يدعي التقوى والأصالة والقبيلة عليم بحاله وبسره وعلنه، خبير بداخلته وظاهره، والله تعالى أعلم.