أسباب رد الله عليهم بالإسلام بدل الإيمان
(قَالَتْ الأَعْرَابُ)، هل هم الذين يتخذون ما ينفقون مغنماً عند الله سبحانه، أم الذين يتخذون ما ينفقون مغرماً ويتربصون بكم الدوائر؟ هنا يختلف العلماء في نوعية هؤلاء الأعراب من حيث الإسلام وعدمه، فـ ابن جرير رحمه الله يقول: ما السبب الذي من أجله أُمر صلى الله عيله وسلم أن يقول لهم: لا تقولوا آمنا، وقولوا أسلمنا؟ قالوا: إن السبب في ذلك ﴿ يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا ﴾ [الحجرات: ١٧] ﴿ قَالَتْ الأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا ﴾، هم يمنون عليك أنهم آمنوا بك بدون قتال قال: لا، لا تقولوا آمنا، ولا تمنوا عليّ إيمانكم، لأنكم ما وصلتم إلى هذه الدرجة ﴿ قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا ﴾.
والفرق بين (آمنا) و (أسلمنا) يبينه لنا الشيخ الأمين رحمة الله علينا وعليه: بأن هذه الآية من مواضع المباحث في العقيدة، وهو الفرق بين الإسلام والإيمان، ويقول كما يقول علماء الكلام الباحثين في العقائد: إن الإسلام والإيمان، والفقير والمسكين إذا أفرد أحدهما جمع الآخر معه، وإذا قرنا وذكرا معاً افترقا، أو كما يقولون: إذا اجتمعا افترقا وإذا افترقا اجتمعا، فإذا قيل: أعط هذه الدراهم لمسلم أو أعطها لمسلم ولمؤمن، وإذا قيل: أعط المسلم درهماً والمؤمن درهمين كان هناك مغايرة، فالمسلم متميز على حدة، والمؤمن متميز على حدة.
فعلى هذا: هؤلاء الذين قالوا: (أسلمنا)، هل هم أسلموا فعلاً أم أنهم أسلموا كما في معنى: ﴿ قُولُوا أَسْلَمْنَا ﴾ بمعنى: استسلمنا إليك؟ قالوا: إما لأنهم يريدون أن يحفظوا على أنفسهم دماءهم وأموالهم وأعراضهم، أي: قالوا: (أسلمنا)؛ ليأمنوا من المسلمين، وليغتنموا حالة المشاركة مع المسلمين، ويذكر ابن جرير نوعاً آخر: أنهم قالوا: (آمنا) ليتسموا باسم المهاجرين ولم يهاجروا، وكان ذلك في أول الهجرة، أو أنهم قالوا: (أسلمنا) رداً على أنهم يمنون على رسول الله بالإيمان.
﴿ قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا ﴾ [الحجرات: ١٤]، أي: مخافة السبي والقتل، وحفظكم أموالكم بقولكم: (آمنا)، وأنتم لم تؤمنوا، أو بكونهم يمنون على النبي ﷺ بإيمانهم، وهم فعلاً لم يؤمنوا، أو لأنهم إنما أظهروا هذا القول ولم يأت تصديق قولهم بالعمل.