٩٥٩ - نا عبد الرزاق قال أرنا معمر، قال : أخبرني أيوب، عن عكرمة، أن أبا سفيان أقبل من الشام في عير (١) قريش، وخرج المشركون من مغوثين (٢) لعيرهم، وخرج النبي ﷺ يريد أبا سفيان، وأصحابه فأرسل رسول الله ﷺ رجلين من أصحابه عينا طليعة ينظران بأي ماء هو، فانطلقا حتى إذا ع لما علمه، وأخبرا خبره جاءا سريعين، فأخبرا النبي ﷺ، وجاء أبو سفيان فنزل على الماء الذي كان به الرجلان، فقال : لأهل الماء هل أحسستم أحدا من أهل يثرب ؟ قالوا : لا، قال : فهل مر بكم ؟ قالوا : ما رأينا إلا رجلين من أهل كذا وكذا، قال أبو سفيان : فأين كان مناخهما ؟ فدلوه عليه فانطلق حتى أتى بعر (٣) إبلهما ففته فإذا فيه نوى، فقال : هذه نواضح (٤) أهل يثرب، فترك الطريق، وأخذ سيف البحر، وجاء الرجلان فأخبرا النبي ﷺ خبره، فقال :« أيكم أخذ هذه الطريق ؟ » فقال أبو بكر هم بماء كذا وكذا، ونحن بماء كذا وكذا، فيرتحل فينزل بماء كذا وكذا، وننزل نحن بماء كذا، ثم ينزل بماء كذا، وتنزل بماء كذا وكذا، ثم نلتقي بماء كذا وكذا كأنا فرسا رهان، فسار النبي ﷺ حتى نزل بدرا، فوجد على ماء بدر بعض رقيق قريش ممن خرج يغيث أبا سفيان، فأخذهم أصحابه فجعلوا يسائلونهم، فإذا صدقوهم ضربوهم، وإذا كذبوهم تركوهم، فمر بهم النبي ﷺ وهم يفعلون ذلك فقال :« إن صدقوكم ضربتموهم، وإن كذبوكم تركتموهم ؟ »، ثم دعا واحدا منهم، فقال :« من يطعم القوم ؟ »، فقال : فلان وفلان فعدد رجالا يطعمهم كل رجل يوما، قال :« فكم ينحر (٥) لهم ؟ » فقال : عشرة من الجزر، فقال النبي ﷺ :« الجزور (٦) بمائة وهم ما بين الألف، والتسعمائة »، فلما جاء المشركون صافوهم، وكان النبي ﷺ قد استشار قبل ذلك في قتالهم، فقام أبو بكر يشير عليه، فأجلسه النبي ﷺ، ثم استشارهم فقام عمر يشير عليه، فأجلسه النبي ﷺ، ثم استشارهم فقام سعد بن عبادة، فقال : يا نبي الله والله لكأنك تعرض بنا منذ اليوم لتعلم ما في نفوسنا، والذي نفسي بيده لو ضربت أكبادها حتى تبلغ برك الغماد من ذي يمن لكنا معك، فوطن النبي ﷺ وأصحابه على القتال والصبر، وسر بذلك منهم، فلما التقوا سار في قريش عتبة بن ربيعة فقال : أي قوم أطيعوني اليوم، ولا تقاتلوا محمدا، وأصحابه فإنكم إن قاتلتموه لم تزل بينكم أحنة ما بقيتم، وفساد لا يزال الرجل منكم ينظر إلى قاتل أخيه، وقاتل ابن عمه، فإن يكن ملكا أكلتم في ملك أخيكم، وإن يك نبيا فأنتم أسعد الناس به، وإن يك كاذبا كفتكموه ذؤبان العرب، فأبوا (٧) أن يسمعوا مقالته، وأبوا أن يطيعوا، فقال : أنشدكم الله في هذه الوجوه التي كأنها المصابيح أن تجعلوها أندادا لهذه الوجوه التي كأنها عيون الحيات، فقال أبو جهل : لقد ملأت سحرك رعبا، ثم سار في قريش فقال : إن عتبة بن ربيعة إنما يشير عليكم بهذا ؛ لأن ابنه مع محمد، ومحمد ابن عمه، فهو يكره أن يقتل ابنه، وابن عمه فغضب عتبة، وقال : أي مصفر (٨) استه (٩) ستعلم أينا أجبن، والأم وأقتل لقومه اليوم، ثم نزل ونزل معه أخوه شيبة بن ربيعة، وابنه الوليد بن عتبة، فقال : أبرزوا إلينا أكفاءنا فقام ناس من الأنصار من بني الخزرج، فأجابهم النبي ﷺ، فقام علي، وحمزة، وعبيدة بن الحارث بن عبد المطلب، فاختلف كل رجل منهم وقرينه ضربتين، فقتل كل رجل منهم صاحبه، وأعان حمزة عليا على قتل صاحبه فقتله، وقطعت رجل عبيدة فمات بعد ذلك، وكان أول قتيل قتل يومئذ من المسلمين مهجع مولى عمر بن الخطاب، ثم أنزل الله نصره وهزم عدوه، وقتل أبو جهل بن هشام، فأخبر بقتله النبي ﷺ، فقال :« أفعلتم ؟ »، فقالوا : نعم يا نبي الله فسر بذلك، وقال :« إن عهدي به وفي ركبته جور فاذهبوا فانظروا هل ترون ذلك » فنظروا فرأوه، وأسر يومئذ ناس من قريش، ثم أمر النبي ﷺ بالقتلى، فجروا حتى ألقوا في القليب، ثم أشرف عليهم النبي ﷺ، فقال :« أي عتبة بن ربيعة أي أمية بن خلف، فجعل يسميهم رجلا رجلا، هل وجدتم ما وعد ربكم حقا ؟ » فقالوا : يا نبي الله أويسمعون ما تقول ؟

(١) العير : كل ما جلب عليه المتاع والتجارة من قوافل الإبل والبغال والحمير
(٢) مغوِّثين : مُغيثين مُعينين ناصرين
(٣) البعر : رجيع ذوات الخف وذوات الظِّلف إلا البقر الأهلي
(٤) الناضح : الجمل أو الثور أو الحمار الذي يستقى عليه الماء
(٥) النحر : الذبح
(٦) الجَزُور : البَعِير ذكرا كان أو أنثى، إلا أنَّ اللَّفْظة مُؤنثة، تقول الجَزُورُ، وَإن أردْت ذكَرا، والجمْع جُزُرٌ وجَزَائر
(٧) أبى : رفض وامتنع
(٨) مصفر استه : هي كلمة تقال للمُتَنَعّم المُتْرَفِ الذي لم تُحَنّكُه التَجَارُب والشَّدائد.
(٩) الاست : العجز والمؤخرة ويطلق على حلقة الدبر


الصفحة التالية
Icon