و فيهما من حديثه أيضا قال : قال رسول الله - ﷺ -: "لا يزال الناس يتساءلون حتى يقال هذا : خلق الله الخلق فمن خلق الله ؟ فمن وجد من ذلك شيئا ؛ فليقل آمنت بالله و رسله".
وفي رواية لأبي داوود :"يزال الناس يتساءلون حتى يقال هذا : خلق الله الخلق فمن خلق الله ؟ فإذا قالوا ذلك فقولوا : الله أحد الله الصمد لم يلد و يولد و لم يكن له كفوا أحد، ثم ليفل عن يساره ثلاثا و ليستعذبالله من الشيطان الرجيم ".
و ذلك أن الفكر إذا أراد أن يتصور أن الله - عز وجل - لم يزل و لا نهاية لأوليته تاه و تحير.
المبحث الثاني
في تفسير قوله تعالى :
﴿ هو الذي أنزل عليك الكتب منه ءايت محكمت.... ﴾
قال الله تعالى :﴿ هو الذي أنزل عليك الكتب منه ءايت محكمت هن أم الكتاب و أخر متشبهت فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشبه منه ابتغاء الفتنة و ابتغاء تأويله و ما يعلم تأويله إلا الله و الرسخون في العلم يقولون ءامنا به كل من عند ربنا و ما يذكر إلا ألوا الألبب ﴾
اختلف الناس في هذه الآية حتى كادت تصير هي نفسها من المتشابه، و قد يسر لي في فهم معناها سبيل واضح إن شاء الله تعالى، فأقول :
قد ثبت أن القرآن كله محكم ؛ لقوله تعالى :﴿ كتب أحكمت ءايته ﴾، و أنه كله متشابه ؛ لقوله تعالى :﴿ الله نزل أحسن الحديث كتبا متشابها مثاني تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم.... ﴾.
و ثبت بالآية المصدّر بها أن منه ما هو محكم غير متشابه، و منه ما هو متشابه غير محكم.
و اتفق على أن المراد بالإحكام في قوله تعالى :﴿ أحكمت ءايته ﴾ عدم الخلل في الحسن و الصدق و مطابقة الحكمة، و بالتشابه في قوله تعالى: ﴿ كتبا متشابها ﴾ أن بعضه يشبه بعضا في الحسن و الصدق و مطابقة الحكمة، فلا منافاة بين هذا الإحكام و هذا التشابه.
(١/٢٩)