هكذا ظهر لي، ثم لما راجعت تفسير الإمام الرازي، ورأيته ذكر نحوه حمدت الله كثيراً وعبارته: ذكروا في مناسبة هذه السورة لما قبلها وجوها منها: أنه تعالى لما قال: (جَزاؤهُم عِندَ رَبِهِم جناتُ عدنٍ) فكأن المكلف قال: ومتى يكون ذلك يا رب؟ فقال: (إِذا زُلزِلَت الأَرض) ومنها: أنه لما ذكر فيها وعيد الكافرين، ووعد المؤمنين، أراد أن يزيد في وعيد الكافرين فقال: (إِذا زُلزِلَت الأَرض) ونظيره: (يومَ تبيضُ وجوهٌ وتسودُ وجوه) ثم ذكر ما للطائفتين فقال: (فأَما الذينَ اسودت وجوهَهُم) إلى آخره ثم جمع بينهما هنا في آخره السورة بذكر الذي يعمل الخير والشر انتهى
سورة العاديات
أقول: لا يخفى ما بين قوله في الزلزلة: (وأَخرَجتِ الأَرضُ أَثقالها) وقوله في هذه السورة: (إِذا بُعثرَ ما في القبور) من المناسبة والعلاقة
سورة القارعة
قال الإمام: لما ختم الله سبحانه السورة السابقة بقوله: (إِنَّ ربَهُم بِهِم يَومئذٍ لخَبير) فكأنه قيل: وما ذاك؟ قال: هي القارعة قال: وتقديره: ستأتيك القارعة على ما أخبرت عنه بقوله: (إِذا بُعثِرَ ما في القبور)
سورة التكاثر
أقول: هذه السورة واقعة موقع العلة لخاتمة ما قبلها، كأنه لما قال هناك: (فأُمهُ هاوية) قيل: لم ذلك؟ فقال: لأنكم (أَلهاكُم التكاثُر) فاشتغلتم بدنياكم، وملأنم موازينكم بالحطام، فخفت موازينكم بالآثام، ولهذا عقبها بسورة العصر، المشتملة على أن الإنسان في خُسر، بيان لخسارة تجارة الدنيا، وربح تجارة الآخرة، ولهذا عقبها بسورة الهمزة، المتوعد فيها من جمع مالاً وعدّده، يحسب أن ماله أخلده فانظر إلى تلاحم هذه السور الأربع، وحست اتساقها
سورة الفيل
ظهر لي في وجه اتصالها بعد الفكرة: أنه تعالى لما ذكر حال الهمزة اللمزة، الذي جمع مالاً وعدده، وتعزز بماله وتقوى، عقب ذلك بذكر قصة أصحاب الفيل، الذين كانوا أشد منهم قوة، وأكثر أموالاً وعتوا، وقد جعل كيدهم في تضليل، وأهلكهم بأصغر الطير وأضعفه، وجعلهم كعصف مأكول، ولم يغن عنهم مالهم ولا عزهم ولا شوكتهم، ولا فيلهم شيئاً فمن كان قصارى تعزُّزه وتقوِّيه بالمال، وهَمز الناس بلسانه، أقرب إلى الهلاك، وأدنى إلى الذلة والمهانة
سورة قريش
هي شديدة الاتصال بما قبلها، لتعلق الجار والمجرور في أولها بالفعل في آخر تلك ولهذا كانتا في مصحف أبي سورة واحدة
سورة الماعون
أقول: لما ذكر تعالى في سورة قريش: (الذي أطعمَهُم مِن جوعٍ) ذكر هنا ذم من لم يُحض على طعام المسكين ولما قال هناك: ( فليعبدوا رب هذا البيت) ذكر هنا من سها عن صلاته
سورة الكوثر
قال الإمام فخر الدين: هي كالمقابلة للتي قبلها، لأن السابقة وصف الله سبحانه فيها المنافقين بأربعة أمور: البخل، وترك الصلاة، والرياء فيها، ومنع الزكاة وذكر في هذه السورة في مقابلة البخل: ( إِنّا أَعطيناكَ الكوثَر) أي: الخير الكثير وفي مقابلة ترك الصلاة (فصَلِّ) أي دُم عليها وفي مقابلة الرياء: (لربك) أي: لرضاه، لا للناس وفي مقابلة منع الماعون: (وانحر) وأراد به: التصدق بلحوم الأضاحي قال: فاعتبر هذه المناسبة العجيبة
سورة الكافرون
أقول: وجه اتصالها بما قبلها: أنه تعالى لما قال: (فصل لربك) أمره أن يخاطب الكافرين بأنه لا يعبد إلا ربه، ولا يعبد ما يعبدون، وبالغ في ذلك فكرر، وانفصل منهم على أن لهم دينهم وله دينه
سورة النصر
أقول: وجه اتصالها بما قبلها: أنه قال في آخر ما قبلها: (ولي دين) فكان فيه إشعار بأنه خلص له دينه، وسلم من شوائب الكفار والمخالفين، فعقب ببيان وقت ذلك، وهو مجئ الفتح والنصر، فإن الناس حين دخلوا في دين الله أفواجاً، فقدتم الأمر، وذهب الكفر، وخلص دين الإسلام ممن كان يناوئه، ولذلك كانت السورة إشارة إلى وفاته ﷺ وقال الإمام فخر الدين: كأنه تعالى يقول: لما أمرتك في السورة المتقدمة بمجاهدة جميع الكفار، بالتبرى منهم، وإبطال دينهم، جزيتك على ذلك بالنصر والفتح، وتكثير الأتباع