ثم الأجسام إما أبدية، وكلها خيرات محضة، لأنها بريئة عن الاختلافات والفطور، على ما قال: (ما ترى في خَلقِ الرحمن مِن تفاوت فارجِع البصر هل ترى مِن فطور) وإما عنصرية، وهي إما جمادات، فهي خالية عن جميع القوى النفسانية، فالظالمات فيها خالصة، والأنوار عنها زائلة، وهو المراد من قوله: (ومِن شَرِ غاسقٍ إِذا وقب) وإما نبات، والقوة العادلة هي التي تزيد في الطول والعمق معاً، فهذه القوة النباتية كأنها تنفث في العقدة وإما حيوان، وهو محل القوى التي تمنع الروح الإنسانية عن الانصباب إلى عالم الغيب، والاشتغال بقدس جلال الله، وهو المراد بقوله: (ومِن شَرِ حاسدٍ إِذا حسد) ثم إنه لم يبق من السفليات بعد هذه المرتبة سوى النفس الإنسانية، وهي المستفيدة، فلا يكون مستفاداً منها، فلا جرم قطع هذه السورة، وذكر بعدها في سورة الناس مراتب ودرجات النفس الإنسانية ولم يبين المراتب المشار إليا وقد بينها ابن الزملكاني في أسراره فقال: إضافة رب إلى الناس تؤذن بأن المراد بالناس: الأطفال، لأن الرب من: ربه يربه، وهم إلى التربية أحوج وإضافة ملك إلى الناس تؤذن بإرادة الشباب به، إذ لفظ ملك يؤذن بالسياسة والعزة، والشبان إليها أحوج وإضافة إله إلى الناس تؤذن بأن المراد به الشيوخ، لأن ذاته مستحقة للطاعة والعبادة، وهم أقرب وقوله: (يوَسوسُ في صدورِ الناس) يؤذن بأن المراد بالناس: العلماء والعباد، لأن الوسوسة غالباً عن الشبه وقوله: (مِنَ الجِنَةِ والناس) يؤذن بأن المراد بالناس: الأشرار وهم شياطين الإنس الذين يوسوسون لهم والله تعالى أعلم