وذلك لكونه رحماناً وما وقع في قصة بني إسرائيل: (ثم عفونا عنكم) إلى أن أعاد الآية بجملتها في قوله: (لا إِله إِلا هو الرحمَن الرَحيم) وذكر آية الدين إرشاداً للطالبين من العباد، ورحمة بهم ووضع عنهم الخطأ والنسيان والإصر وما لا طاقة لهم به، وختم بقوله: (واعفُ عنَّا واغفِر لَنا وارحمنا) وذلك شرح قوله: (الرحمَنُ الرحيم) وقوله: (مالكِ يومِ الدين) تفصيله: ما وقع من ذكر يوم القيامة في عدة مواضع، ومنها قوله: (إن تبدوا ما في أَنفُسَكُم أَو تخفوهُ يُحاسِبُكُم به الله والدين في الفاتحة: الحساب في البقرة وقوله: (إِياك نعبُدُ) مجمل شامل لجميع أنواع الشريعة الفروعية، وقد فصلت في البقرة أبلغ تفصيل، فذكر فيها، فذكر فيها: الطهارة، والحيض، والصلاة، والاستقبال، وطهارة المكان، والجماعة، وصلاة الخوف، وصلاة الجمع، والعيد، والزكاة بأنواعها، كالنبات، والمعادن، والاعتكاف، والصوم وأنواع الصدقات، والبر، والحج، والعمرة، والبيع، والإجارة، والميراث والوصية، والوديعة، والنكاح، والصداق، والطلاق، والخلع، والرجعة والإيلاء، والعدة، والرضاع، والنفقات، والقصاص، والديات، وقتال البغاة والردة، والأشربة، والجهاد، والأطعمة والذبائح، والأيمان، والنذور، والقضاء، والشهادات، والعتق فهذه أبواب الشريعة كلها مذكورة في هذه السورة وقوله: (وإِياكَ نستعين) شامل لعلم الأخلاق وقد ذكر منها في هذه السورة الجم الغفير، من التوبة، والصبر، والشكر، والرضى، والتفويض، والذكر، والمراقبة، والخوف، وإلانة القول وقوله: (إهدنا الصراط المستقيم) إلى آخره تفصيله: ما وقع في السورة من ذكر طريق الأنبياء، ومن حاد عنهم من النصارى، ولهذا ذكر في الكعبة أنها قبلة إبراهيم، فهي من صراط الذين أنعم عليهم، وقد حاد عنها اليهود والنصارى معاً، ولذلك قال في قصتها: (يَهدي مَن يشاء إِلى صراطٍ مُستَقيم) تنبيهاً على أنها الصراط الذي سألوا الهداية إليه ثم ذكر: (ولئِن أَتيت الذين أَوتوا الكتاب بكل آية ما تبعوا قبلتك) وهم المغضوب عليهم والضالون الذين حادوا عن طريقهم ثم أخبر بهداية الذين آمنوا إلى طريقهم ثم قال: (والله يهدي مَن يشاء إِلى صراطٍ مستقيم) فكانت هاتان الآيتان تفصيل إجمال (إِهدِنا الصِراطَ المُستقيم) إِلى آخر السورة وأيضاً قوله أول السورة: (هدىً للمُتقين) إِلى آخره في وصف الكتاب، إخبار بأن الصراط الذي سألوا الهداية إليه هو: ما تضمنه الكتاب، وإنما يكون هداية لمن اتصف بما ذكر من صفات المتقين ثم ذكر أحوال الكفرة، ثم أحوال المنافقين، وهم من اليهود، وذلك تفصيل لمن حاد عن الصراط المستقيم، ولم يهتد بالكتاب وكذلك قوله هنا: (قولوا آمنَّا باللَهِ وما أَنزَلَ إِلينا إِلى إِبراهيم وإِسماعيل وإِسحاق ويعقوب والأَسباط) فيه تفصيل النبيين المنعم عليهم وقال في آخرها: (لا نُفَرِقُ بينَ أحدٍ مِنهُم) تعريفاً بالمغضوب عليهم والضالين الذين فرقوا بين الأنبياء وذلك عقبها بقوله: (فإِن آمَنوا بمِثلِ ما آمنتُم بهِ فقد اهتدوا) أي: إلى الصراط المستقيم، صراط المنعم عليهم كما اهتديتم فهذا ما ظهر لي، والله أعلم بأسرار كتابه الوجه الثاني: أن الحديث والإجماع على تفسير المغضوب عليهم باليهود، والضالين بالنصارى، وقد ذكروا في سورة الفاتحة على حسب ترتيبهم في الزمان، فعقب بسورة البقرة، وجميع ما فيها من خطاب أهل الكتاب لليهود خاصة، وما وقع فيها من ذكر الصارى لم يقع بذكر الخطاب ثم عقبت البقرة بسورة آل عمران، وأكثر ما فيها من خطاب أهل الكتاب للنصارى، فإن ثمانين آية من أولها نازلة في وقد نصارى نجران، كما ورد في سبب نزولها وختمت بقوله: (وإِنَّ مِن أهلِ الكتاب لمن يؤمن بالله) وهي في النجاشي وأصحابه من مؤمني النصارى، كما ورد به الحديث وهذا وجه بديع في ترتيب السورتين، كأنه لما ذكر في الفاتحة الفريقين، قص في كل سورة مما بعدها حال كل فريق على الترتيب الواقع فيها، ولهذا كان صدر سورة النساء في ذكر اليهود، وآخرها في ذكر النصارى الوجه الثالث: أن سورة البقرة أجمع سور القرآن للأحكام والأمثال، ولهذا سميت في أثر: فسطاط القرآن الذي هو: المدينة الجامعة، فناسب تقديمها على جميع سوره