أن تقولوا ما جاءنا من بشير ولا نذير فقد جاءكم بشير ونذير والله على كل شيء قدير ثم أخبر عباده أنه وجه إليهم النذر بكلامه وقوله فقال ومن أصدق من الله قيلا
وقال لا مبدل لكلماته
في العقل
وأنه خاطبهم به من قبل ألبابهم فقال إنما يتذكر أولوا الألباب
وقال لقوم يعقلون و لقوم يتفكرون لأنه جعل العقول معادن الحكمة ومقتبس الآراء ومستنبط الفهم ومعقل العلم ونور الأبصار إليها يأوي كل محصول وبها يستدل على ما أخبر به من علم الغيوب فبها يقدرون الأعمال قبل كونها ويعرفون عواقبها قبل وجودها وعنها تصدر الجوارح بالفعال بأمرها فتسارع إلى طاعتها أو تزجرها
فتمسك عن مكروهها
فاستخلص من عباده خالصة من خلقه فهمت عنه قوله بعقولها فاتسع لها ما خفي عن الأبصار
فآمنت به وبما غيبته حجب غيوبه من لدن عرشه إلى منتهى علمه ثم عارضها هاجس الشك فأبته وذلك بلطف البصير وما وصفه لها وبفضله عليها
فكان عندها ما أخبر به عما غاب مما كان ومما هو كائن كرأي العين فكانت بذلك مصدقة غير مكذبة ولا مرتابة
ثم استخص من الخالصة الأولى خاصة ثانية من المقرين والمعترفين له بربوبيته المصدقين بقوله فعظموا قدره فأجلوه وهابوه واستحيوا منه وخافوه وحذروا نقمته وبأسه فتطهروا من كل دنس وبذلوا له المجهود من قلوبهم وأبدانهم ووصفوه بصفاته الكاملة ونزهوه من كل ما لا يليق وأفردوه في كل معنى ولم يساووه بشيء من خلقه
فأفردوه بالمخافة والرهبة والآمال والرغبة والثقة به وحسن التوكل عليه فأعتقوا من خدمة الدنيا أبدانهم


الصفحة التالية
Icon