فإذا كان ذلك عندك لم تؤثر على كلام الرب سبحانه علما من العلوم ولم تجد له حلاوة ولا شاهدا لتلاوته وفهمه فيكون فهمه عندك ألذ الأشياء وأحلاها حبا لقائله وتعظيما وإجلالا للمتكلم به لأنه كلام القديم الأول والعظيم الأجل والكريم الأعلى أنزله على عباده ليعرفهم به نفسه ويذكرهم به أياديه وينبههم به من رقدات الغافلين ويحيي قلوبهم وينور به أبصارهم ويشفي به الصدور ويزيل جهلها وينفي شكوكها
ويغسل به دنسها وزيفها ويوضح به سبيل الهدى ويكشف به العمى والشبهات ويزيل نوازع الشيطان ووساوس الصدور ويغني به من فهمه ويقربه من عقله وينعم به من كرر تلاوته ويرضى به عمن اتبعه
هو طريق الله المستقيم الذي من سلك ما دله عليه أوقفه على الرغائب وسلمه من جميع المهالك وأورده رياض جوار الرب جل وعز وخفف عنه أهوال يوم العرض والنشور وعلا في درجات جوار الرب جل ذكره منزله وقربه من القبول يوم الزلفة لديه ٩٢
هو حبل الله المتين الذي لا انقطاع له من تمسك به نجا ومن لها عنه عطب ومن ابتغى في غيره ضل ومن فهمه نطق بالحكم وجرى لسانه بحسن الموعظة وكان من العلماء بالله جل وعز
ومن عقل عن الله جل ذكره ما قال فقد استغنى به عن كل شيء وعز به من كل ذل لا يتغير ولا ينقص حلاوته ولا تخلق جدته في قلوب المؤمنين به على كثرة الترداد والتكرار لتلاوته لأن قائله دائم لا تتغير ولا يحدث به الحوادث
وكذلك كلامه لا يتغير في قلوب المؤمنين التالين على كثرة الترداد والتكرار لتلاوته
وكل كلام من نبي أو صديق أو خطيب بليغ أو قائل شعر فالقلب يمل من كثرة تلاوة له وذلك موجود في الفطرة لا يختلف فيه أولوا الألباب
ولو كان الله جل ذكره وعز أنزله بلسان لا نفهمه ولا نعرف معانيه إذا تلي إلا أنا نعلم أنه كلام الإله جل وعز الذي ليس كمثله شيء ثم ذبنا وذاب أهل السماء والأرض لحق لنا ولهم ذلك