تلاوته من صباه إلى كبره وعمر السنين الكثيرة ويكرر تلاوته لم يعقل عن ربه ولم يفهم كلام مولاه فيقوم بحقه وكان أول ما تداعوا الأدب لاستماع ما تلى نبيه عليه السلام بتناهيهم عن الاشتغال بالمحادثة عن كلام ربهم ولقد ذم مولانا عز وجل المتشاغلين عند استماعهم بالمحادثة فقال تعالى نحن أعلم بما يستمعون به إذ يستمعون إليك وإذ هم نجوى
فاحرص أن لا يكون فيك خلق ذم الله عز وجل به كافرا وإن كنت مؤمنا فإن من كمال الإيمان مخالفة أهل الكفر بالقول والفعل فيما نهى الله عز وجل عنه ولقد وعد ربنا عز وجل الرحمة وأمرنا أن نطلبها منه بالاستماع والإنصات لفهم كلامه فقال وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون يعني لكي ترحموا فجعل الاستماع بترك الكلام لتفهم كلامه يوجب ٩٦ الرحمة قبل العمل بما يسمع وقال عز وجل فبشر عباد الذين يستمعون القول فيتبعون
أحسنه أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولوا الألباب
فمدحهم بالهدى ووصفهم باللب وأثنى عليهم في آي من القرآن فإذا أحضرت عقلك بجمع همك بنية صادقة مع أمل ورجاء أن تنال ما قال وتسارع إلى محابه وتجتنب مساخطه وتريده وحده ولا تريد أن تفهم منه ما تتصنع به عند العباد فإذا نظر الله عز وجل إليك وأنت كذلك وعلم ذلك من ضميرك أقبل بلطفه وولي تقويم عقلك بفهم كلامه وما فيه من علم الغيوب ومكنون الوعيد فحينئذ تكون للقرآن مفهما فتستنطق منه علم ما عميت عليك فيه الحجة فيوضح الله لك به البرهان ويمدك بالفوائد ويجلي عنك ظلم الشبه ويدلك على محجة المهتدين ويذيقك الحلاوة التي أذاقها أهل التقوى لأن كلامه ربيع قلوب الأبرار ويثقل فهمه على من تعطل قلبه وهو الذي هتك حجب قلوب الفهمين فأهاج منهم الفؤاد والزفرات أسفا على ما فات من أعمارهم وما أحصى


الصفحة التالية
Icon