وكذلك كل حكم نسخه حكم آخر فإنما جعل الثاني بدلا من الأول وذلك موجود بين العباد على تقدم الإرادة منهم فيما أمروا به أولا ثم نهوا عنه وأمروا بغيره من غير بدء ولا جهل وذلك كان يأمر الرجل غلامه ليعمل في أرضه وهو يريد أن يعمل فيها وقت الزراعة ثم يصرفه بعد ذك إلى خدمته في منزله وكلاهما قد تقدمت به الإرادة منه ويأمره أن يخرج معه إلى قريته وهو يريد إذا بلغ القرية أن يأمره بالرجوع إلى أهله يقوم بحوائجهم ويكتفي هو بخدمة نفسه في قريته أو يريد أن يرده إلى قريته أو مدينته إلى عمل يعمله له من بناء أو عمل يكسب به أو غير ذلك لربما قال له إعمل كذا وكذا إلى الظهر أو إلى رأس الشهر وإذا انسلخ ١٠٥ الشهر فدع العمل واعمل كذا وكذا لعمل آخر فتقدم منه الأمر
بالعملين جميعا في وقتين مختلفين أو يأمره بأحد العملين في وقت وهو كذلك يريد أن يأمره بالعمل الآخر بعد انقضاء الثاني فيكون الآخر بدلا من الأول يبدأ بأحدهما إلى الوقت وقد أمره أن يدعه إذا جاء الوقت ويعمل الآخر بدلا من الأول من غير بدء منه ولا كذب ولا جهل فكيف بالإله الواحد القهار الذي يعلم عواقب الأمور كلها ولا تبدو له البداوات ولا تحل به الحوادث ولا تعتقبه الزيادة والنقصان
القول بخلق القرآن
ولقد جامعنا قوم من أهل الضلال على ذلك لئلا يقع النسخ من الله عز وجل في أخباره ومدحه وإنما يقع النسخ في أحكامه ثم جهلوا إذ أرادوا أن يقووا قولهم بأن كلام الله مخلوق فزعموا أن الله عز وجل قد ينسخ كلامه بكلامه فيما أمر به ونهى
عنه وكان مما استدلوا به أنه كلام مخلوق أنه ينسخ بعضه ببعض
قالوا ولو لم يكن مخلوقا ما جاز عليه النسخ ولا التبديل


الصفحة التالية
Icon